المتعاقدين (١) بعد الفراغ من العقد لم يعرف ـ فيما هو عند الخلق ـ تجارة ، ولكن التفرق بانقضاء ما له الاجتماع والفراغ منه بما ليس من معاقدة العقلاء الوقوف في مكان بلا حاجة ؛ فليس التفرق مما يحتمل أن يظنه حكيم أو سفيه من التجارة ، وقد أذن في الأكل ، والأكل عبارة عن الأخذ وأكل أنواع المنافع بالباطل ؛ فثبت أن قد ملك بالفراغ عن التجارة بغير الرضا ، وأيّد ذلك قوله : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) [البقرة : ٢٨٢] والتبايع الذي عليه الإشهاد هو التعاقد ، لا التفرق ، ومن البعيد أن يكلفوا الإشهاد على التبايع (٢) قبل وجوب الواجب من الحق الذي عليه الإشهاد ؛ فثبت بذلك وجوب ما جعل البائع بوجوبه دون التفرق ؛ وإذن ثبت الذي ذكرنا من أحكام القرآن مع الكفاية بالأمر الذي لا يجوز شذوذ حق لا يسلم عنه بشر عن علم جميع البشر ، وكل أهل التبايع (٣) به يتعارفون الحق بينهم بالفراغ من العقود ، ولا يجوز شذوذ العلم بحقّ ذلك محله ؛ فيكون اتفاق الخلق على الجهل بالاعتقاد في أمر يعرفه الرسول صلىاللهعليهوسلم ثم أئمة الهدى ، لا ينتهون عن ذلك ، والله أعلم.
فإذا لزم ذا الولاء (٤) المروي من الخيار : أن كل متبايعين بالخيار ما لم يتفرقا ، حمل الخبر على ما فيه بعض العلم بحق القرآن ، وما عليه أمر الخلق على اتساع لغير ذلك الوجه ، بل لعله بغيره أولى ، ثم يخرج على وجوه :
على إضمار : حقّ على المتبايعين أن يكونا كذلك في حق الجعل ، لا في حق العبادة عن واجب ؛ دليله رواية عبد الله بن عمر (٥) ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا» (٦).
أو لا يحل لأحدهما أن يفارق صاحبه ؛ خشية أن يستقيله ؛ ثبت أن المعنى بالخيار في حق الجعل لو طلب ـ كالفسخ في الاستقالة ، والله أعلم.
والثاني : أن يريد به : ما داما في التبايع ؛ دليل ذلك احتمال اللفظ [في] قوله ـ سبحانه ـ : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) [البقرة : ٢٨٢] والإشهاد على التبايع ، والتبايع هو فعل اثنين ، وقد ثبت منهما مع الفراغ ـ الإشهاد على التبايع ، وهذا أحق بوجوه :
__________________
(١) في أ : يفرق المتعاقدان.
(٢) في ب : التتابع.
(٣) في ب : التتابع.
(٤) في ب : لو لا.
(٥) في ب : عمرو.
(٦) تقدم.