يتفرقا» (١) ـ لكن معناه عندنا : أن يقول الرجل للرجل : بعتك عبدي بكذا ، فلصاحبه أن يقول : قبلت البيع ، ما دام في مجلسه.
أو يحتمل : أن يكون إذا قال : بعتك ، كان له الرجوع قبل أن يقول الآخر : قبلت.
على أن قوله ـ عليهالسلام ـ : «ما لم يتفرّقا» ، لا يوجب أن يكون تفرقا عن المكان [و](٢) تفرق الأبدان ؛ ألا ترى أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) ، ولا يفهم المعنى من ذلك تفرق المكان والأبدان ؛ ولكن وقع ذلك على القول والطلاق.
على أن في الآية بيان تمام البيع بوجود التراضي بقوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ). ومما يدل على ذلك ـ أيضا ـ : قوله ـ تعالى ـ : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) [البقرة : ٢٨٢] فلو كان البيع لا يتم بالتراضي ؛ فمتى يشهد : قبل التفرق أو بعد التفرق؟ إن أشهد قبل التفرق ، فهل المقر صادق في أن لصاحبه عليه الثمن أو كاذب ؛ إذ كان البيع لم يتم ، وما ينفعه الإشهاد إن كان للمقر أن يبطل إقراره برد السلعة.
وإن كان إنما يشهد بعد التفرق فقد يجوز أن يتلف المال بالتفرق قبل الإشهاد ؛ فأين التحصين الذي أمر الله تعالى؟!
ومما يدل على تأويلنا في الخبر : ما روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا من بيعهما ، أو يكون بينهما خيار» ، وما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ : «البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا ، ولا يحلّ لأحد أن يعجّل فراقه خشية أن يستقيله» (٣).
وقوله : «يستقيله» يدل على أن ليس له أن يرده إلا بأن يقيله صاحبه ؛ ويدل قوله صلىاللهعليهوسلم : «ما لم يتفرّقا من بيعهما» ـ على أن التفرق هو الفراغ من عقد البيع لا غيره.
ومما يدل على أن الخيار ليس بواجب : قول عمر ـ رضي الله عنه ـ إن البيع عن صفقة أو خيار ؛ فكان موافقا لما روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ يقول : دل قوله ـ تعالى ـ : (لا تَأْكُلُوا ...) إلى قوله : (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ـ على الإذن في الأكل إذا وجدت التجارة عن تراض من الناس ، والتجارة معروفة عند جميع من له عقل ، ومعروف أن تفرق
__________________
(١) أخرجه البخاري (٤ / ٣٢٦) في البيوع : باب كم يجوز الخيار (٢١٠٧) وفي (٤ / ٣٢٨) في باب البيعان ما لم يتفرقا (٢١١١) ، ومسلم (٣ / ١١٦٣) في كتاب البيوع : باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين (٤٣ / ١٥٣١).
(٢) سقط من ب.
(٣) تقدم.