شرك بالله.
فقيل أراد بالكبائر الشرك ، فإذا اجتنب كبائر الشرك صارت ما دونها موعودا لها المغفرة بالمشيئة بقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) وعد المغفرة لما دون الشرك ، وقرنها بمشيئته ؛ فهو في مشيئة الله ـ تعالى ـ : إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه ، وبالله التوفيق.
وقيل : أراد بالكبائر [كبائر](١) الإسلام.
ثم يحتمل وجهين بعد هذا :
يحتمل : أن تكون الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر (٢).
ويحتمل : أن تكون الصغائر مغفورة بالحسنات ؛ ألا ترى أنه قال في آخره : (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ)(٣) ، والتكفير إنما يكون [بالحسنات](٤) ؛ ألا ترى أنه قال : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤] أخبر أن من السيئات ما يذهبها الحسنات.
ويحتمل : أن يكون التكفير لها جميعا وإن لم تجتنب ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) إلى قوله ـ عزوجل ـ : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) [البقرة : ٢٧١] وقال ـ عزوجل ـ : (تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [التحريم : ٨] ؛ ألا ترى أنه روي عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «شفاعتى نائلة لأهل الكبائر من أمّتى» (٥).
وروي عن على [بن أبي طالب](٦) ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع امرأة تدعو : اللهمّ
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه ابن جرير (٨ / ٢٥٤) (٩٢٢٩) عن السدي.
(٣) قال القاسمي (٥ / ١١٩) نقلا عن ابن القيم في كتابه (الجواب الطافي) : وهذه الأعمال المكفرة لها ثلاث درجات :
إحداها أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها ، وضعف الإخلاص فيها ، والقيام بحقوقها بمنزلة الدواء الضعيف الذي ينقص عن مقاومة الداء كمية وكيفية.
الثانية : أن تقاوم الصغائر ولا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر.
الثالثة : أن تقوى على تكفير الصغائر ، وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر.
فتأمل هذا فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة.
(٤) في أ : لما سلف.
(٥) أخرجه أحمد (٣ / ٢١٣) ، وأبو داود (٢ / ٦٤٩) كتاب السنة : باب في الشفاعة (٤٧٣٩) ، والترمذي (٤ / ٢٣١) أبواب صفة القيامة والرقائق والورع : باب (١١) ، رقم (٢٤٣٥) ، والطيالسي (٢٠٢٦) ، والحاكم (١ / ٦٩) وصححه وأقره الذهبي وأبو يعلى في المسند (٦ / ٤٠) (٣٢٨٤).
(٦) سقط من ب.