وجل ـ : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)؟! والعبد لا يملك ملك اليمين ؛ فدل أن الخطاب راجع إلى الأحرار دون العبيد (١).
فإن قيل : قد جعلتم للعبد أن يطلق الحرة ثلاثا ، فجعلتم له من الطلاق مثل الذي جعلتموه للحر ؛ فيجب أن تجعلوا له من تزوج النساء مثل الذي يجوز للحر.
قيل : الفرق بينهما أن الطلاق عندنا بالنساء ؛ لأن الحر يطلق امرأته الأمة تطليقتين ؛ فتحرم عليه ؛ والتزويج بالرجال لا ينظر فيه إلى النساء ، فللعبد أن يتزوج النصف من تزويج الحر ، كما أن عدة الأمة وطلاقها على النصف من عدة الحرة ، على ما روينا من الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «حتّى يكون للعبد في امرأتين شيء نصف ما للحرّ من الأربع» ؛ وروى عن الحسن أنه قال في قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ)(٢) [يعني : الكفار.
وقيل : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ)](٣) ؛ فيكونوا قياما عليكم ، ولكن كونوا أنتم قياما عليهم (٤).
وقيل : لا تؤتوهم أموالكم ؛ فيكونوا أربابا عليكم ، وكونوا أربابا بأموالكم عليهم.
ومن صرف التأويل إلى اليتامى جعل معنى قوله ـ عزوجل ـ : (أَمْوالَكُمُ) ـ كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] ، وكقوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] : يريد من ترونه في البيوت ؛ فعلى ذلك إضافة أموال اليتامى إلى الأولياء.
__________________
(١) ينظر : اللباب لابن عادل (٦ / ١٦٤ ، ١٦٥) ، والرازي في تفسيره (٩ / ١٤١ ، ١٤٢).
(٢) قال القرطبي (٥ / ٢١) : ودلت الآية على جواز الحجر على السفيه ؛ لأمر الله ـ عزوجل ـ بذلك في قوله : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ، وقال : فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً) [البقرة : ٢٨٢] الآية ؛ فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها للضعيف. وكان معنى الضعيف راجعا إلى الصغير ، ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ ؛ لأن السفيه اسم ذم ، ولا يذم الإنسان على ما لم يكتسبه ، والقلم مرفوع عن غير البالغ ؛ فالذم والحرج منفيان عنه ، قاله الخطابي.
قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ٣٨) بعد أن ساق وجهين للآية :
الوجه الثالث : أن يراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال ؛ فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام ، وكل من كان موصوفا بهذه الصفة.
قال الرازي : وهذا القول أولى ؛ لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز.
قال السيوطي في (الإكليل) : وفي هذه الآية الحجر على السفيه ، وأنه لا يمكن من ماله ، وأنه ينفق عليه منه ويكسى ، ولا ينفق في التبرعات ، وأنه يقال له معروف ك : (إن رشدت دفعنا إليك مالك ، وإنما يحتاط لنفعك). واستدل بعموم الآية من قال بالحجر على السفيه البالغ سواء طرأ عليه أم لا كان من حين البلوغ ، ومن قال بالحجر على من يخدع في البيوع ، ومن قال بأن من يتصدق على محجور ـ وشرط أن يترك في يده ـ لا يسمع منه ذلك.
(٣) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٤) أخرجه ابن جرير (٧ / ٥٦٧ ، ٥٦٩) (٨٥٥٤ ، ٨٥٥٩) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢١٤) وعزاه لابن أبي حاتم عن الضحاك.