[فصلت : ٢٥].
ويحتمل في الآخرة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَبِئْسَ الْقَرِينُ. وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) [الزخرف : ٣٨ ـ ٣٩] فهذا ـ والله أعلم ـ لأن كلّا منهم كان يقبح الشيطان ويأنف عنه ، ويحسّن الملائكة ويحمدهم ، حتى ضرب مثل القبح من الأشياء بالشياطين ؛ كقوله : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) [الصافات : ٦٥] وضرب مثل الحسن بالملائكة ، وذلك لمعرفتهم بقبح الشياطين وحسن الملائكة ؛ وذلك إنما عرفوا بالخبر ؛ لأنهم لم يعاينوا ملكا عرفوا حسنه بالمعاينة ، ولا شاهدوا شيطانا عرفوا قبحه بالمشاهدة ، ولكنهم عرفوا ذلك بالخبر ؛ ففيه دليل إثبات النبوة ؛ لأنهم ما عرفوا ذلك إلا بهم ، دل (١) استقباح الجميع الشياطين واستنكارهم ، واستحسانهم الملائكة واستعظامهم من غير أن شهدوا من أحد من الفريقين ـ على قبول الأخبار ؛ إذ عن الألسن نطقوا به ؛ وعلى إثبات الرسالة ؛ إذ هم جاءوا بالآثار عمن شهدهم وأنشأهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
هذا ـ والله أعلم ـ صلة قوله : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ)(٢) فمعنى قوله : فما ذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر ـ والله أعلم ـ وذلك أنهم كانوا ينفقون مراءاة طلب الرئاسة وإبقائها ؛ فقال : لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله تبقى لهم تلك الرئاسة ، ويكون لهم الذكر ؛ بل لو آمنوا كان ذلك في الإيمان أكثر ذكرا ، وأعظم قدرا ومنزلة ؛ ألا ترى أنه من أسلم منهم من الأئمة من نحو ابن سلام وغيره كان لهم ذكر في الإسلام وبعد موتهم من غير حاجة وقعت بهم إليهم في حق شرائع الإسلام ، ومن مات منهم على الكفر لم يذكر أبدا ، فأخبر الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن ليس في الإيمان بالله واتباع محمد صلىاللهعليهوسلم ذهاب شيء مما يخافون ذهابه من (٣) الرئاسة والمنافع التي يطمعون [في](٤) وصولها إليهم ، وغير ذلك ؛ حيث قالوا : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) [القصص : ٥٧] فقال : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي : لم يكن مما خافوا باتباع الهدى قليلا ولا كثيرا.
__________________
(١) في ب : دل به.
(٢) قال القاسمي (٥ / ١٤٨) : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ) عطف على (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) أو على «الكافرين» ، وإنما شاركوهم في الذم والوعيد ؛ لأن البخل كالإنفاق رياء ، سواء في القبح واستتباع اللائمة والذم.
(٣) في أ : عن.
(٤) سقط من ب.