غير هذه الآية : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى)](١) وذلك أنهم كانوا آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم قبل أن يبعث ، فلما لم يبعث على هواهم ، كفروا به ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩].
ويحتمل : يشترون ضلالة غيرهم بالتحريف ، والرشاء ، ونحو ذلك ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الأنفال : ٣٦] وقوله : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) [العنكبوت : ١٢].
(أَلَمْ تَرَ) حرف التعجب عن أمر قد بلغه ؛ فيخرج مخرج التذكير ، أو لم يبلغه ؛ فيخرج مخرج التعليم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) يحتمل وجهين :
(وَيُرِيدُونَ) أي : يتمنون أن تضلوا السبيل ؛ لتدوم لهم الرئاسة والسياسة ؛ إذ كانت لهم الرئاسة على من كان على دينهم ؛ ولم يكن لهم ذلك على من لم يكن على دينهم ؛ فتمنوا أن يكونوا على دينهم ؛ لتكون لهم الرئاسة عليهم.
وقيل : (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) أي : يأمرونهم ويدعونهم إلى دينهم (٢) ؛ لما ذكرنا من طلب المنافع ، وإبقاء الرئاسة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ)
كأنهم ـ والله أعلم ـ يطلبون موالاة المؤمنين ، ويظهرون لهم الموافقة ، فنهي الله ـ تعالى ـ المؤمنين عن موالاتهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ...) [آل عمران : ١١٨] إلى قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ ...) الآية ، فأخبر الله ـ تعالى ـ المؤمنين أنه أعلم بأعدائكم منكم.
ويحتمل أن يكون المؤمنون استنصروهم ، واستعانوا بهم في أمر ، فأخبر ـ عزوجل ـ أنهم أعداؤكم ، وهو أعلم بهم منكم.
ثم قال : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً)
أي : كفي به وليّا ومعينا ، وكفي به ناصرا.
ويحتمل قوله : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) مما أعطاكم من أعطاكم ، أي : لا ولى أفضل من الله ـ تعالى ـ ولا ناصرا أفضل منه ، منه البراهين والحجج ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) ، وفي حرف ابن
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٢) انظر : ابن جرير (٨ / ٤٢٩). البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٧١ ـ ٢٧٢).