للأبد ، وليس كل من ارتكب ذنبا يرتكبه للأبد ؛ بل إنما يرتكبه لقضاء شهوة (١) تغلبه ، فهو يندم على إثره ؛ لذلك قلنا : يجوز في العقل إطماع المغفرة لما دون الشرك ، ولا يجوز للشرك ، وبالله التوفيق.
ووجه آخر : أن الوعيد الذي ذكرته يحتمل الاستحلال ، والاستخفاف بالأمر والنهي ، فلا ينزل بما أطمع بهذه الآية من المغفرة ؛ فيزال الطمع والرجاء بالوعيد المتوجه وجهين أو يوقف فيهم ؛ فأما القطع في أحد الوجهين بالمحتمل ومنع القطع بالآخر للاحتمال فهو تحكم ، ولا قوة إلا بالله.
ووجه آخر : أن الآية في التفصيل بين المحتمل للغفران والذي لا يحتمل ، فإذا صرفت إلى الصغائر فيبطل تخصيص اسم الشرك ، ويلتبس (٢) على السامع محله ، وليس أمر الوعيد فيما جاء بموضع التفصيل ، بل الذي جاء بحق التفصيل ذكر الغفران بالتكفير (٣) ، والتكفير يكون مقابلة الجزاء من حسنات أو عقوبات ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ...) الآية [النساء : ٣١] ، والله الموفق.
ووجه آخر : قال [الله](٤) ـ عزوجل ـ : (لِمَنْ يَشاءُ) وهذا كناية عن الأنفس المغفورات ، لا عن الآثام التي تغفر ، لم يجز صرف التخصيص إلى الآثام بالآية المكنى بها عن الأنفس ، وفي آيات الوعيد تحقيق في الذين جاء بهم ، وفيما جاء عامّا ؛ فبان لا صرف في ذلك ، فهو أولى ، والله الموفق.
وبعد ، فإنه ـ عزوجل ـ قال : (لِمَنْ يَشاءُ) والصغائر عندكم مغفورة بالحكمة لا بالوعد ، والآية في التعريف ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ تعالى ـ أيضا : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) فمعلوم : أنه فيما يلزمه حتى يختم به ، لا فيما يتوب عنه ؛ أيد ذلك قوله : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ...) الآية ، وغير واحدة من الآيات التي جاءت في الكفرة لما آمنوا ، والله أعلم ؛ فصار كأنه قال : لا يغفر أن يشرك به إذا لم يتب عنه ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وإن لم يتب منه ، فلو كان شيئا مما دونه لا يحتمل في الحكمة المغفرة لضمه إلى الممتنع عن الاحتمال ، لا أن ألحقه بالمحتمل له فيما كان معلوما أن القصد فيه إلى بيان ما فيه الرجاء والإياس ، وأيد ذلك
__________________
(١) في ب : شهوته.
(٢) في ب : ويلبس.
(٣) في ب : بالتكفر.
(٤) سقط من ب.