أي : كان بأمر الله ـ عزوجل ـ مفعولا ، كما يقال : الجنة رحمة الله ، والمطر (١) رحمة الله ، أي : برحمة الله ، فعلى ذلك معنى قوله ـ سبحانه ـ : (أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي : بأمر الله كان مفعولا.
ويحتمل قوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) ، أي : عذاب الله نازلا بهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)(٢).
أجمع الناس أن [الله](٣) يغفر الذنوب كلها : الشرك وما دونه إذا انتهى وتاب بقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) دل أن إطماع المغفرة لما دون الشرك لمن لم ينته عنه.
وقال الخوارج : الكبائر كلها إشراك (٤) بالله ، فمن ارتكبها دخل تحت قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ، والمسألة بيننا وبينهم في ذلك ، فيقال لهم : المعنى (٥) الذي صار به مشركا عندكم بارتكابه الكبيرة ذلك (٦) المعنى موجود في ارتكابه الصغائر ؛ فيجىء أن يكون كافرا ، فإذا لم يصر بذلك كافرا لم يصر بارتكابه الكبائر كافرا.
وقالت المعتزلة : صاحب الكبيرة يخرج من الإيمان ، ولا يدخل في الكفر.
وقال أبو بكر الأصم : ظهر الوعيد في الكبائر ، وشرط المغفرة لما دون الشرك بقوله ـ تعالى ـ : (لِمَنْ يَشاءُ) فهو للصغائر ؛ كقوله : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) أخبر أن من السيئات ما يكفر ، ومنها ما لا يكفر ، فهو للصغائر.
وأمّا عندنا : فإن الله ـ عزوجل ـ أطمع المؤمنين المغفرة ما دون الشرك ، ولو كان لا يجوز في العقل المغفرة لكان لا يطمع ؛ لأنه لا يجوز أن يطمع ما لا يجوز في العقل ، فإذا أطمع دل أنه يجوز في العقل المغفرة لما دون الشرك ، ثم له المشيئة : إن شاء عذبهم (٧) ، وإن شاء عفا عنهم.
وأما إطماع المغفرة في الشرك : فإنه لا يجوز في العقل ؛ لأن من اعتقد دينا إنما يعتقده
__________________
(١) في ب : والنظر.
(٢) قال القرطبي (٥ / ١٥٩) : ذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة للتي في آخر (الفرقان).
قال زيد بن ثابت : نزلت سورة النساء بعد سورة الفرقان بستة أشهر. فالصحيح أن لا نسخ ؛ لأن النسخ في الأخبار يستحيل.
(٣) سقط من ب.
(٤) في أ : الشرك.
(٥) في أ : المعتبر.
(٦) في ب : وذلك.
(٧) في أ : عذبهم فيها.