ثم يحتمل قوله : (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) بصفته ، ونعته ، ونبوته ، ومبعثه ، وزمانه ، فيه فيما معكم ، لا يخالف في شيء من ذلك.
ويحتمل : أنه هو النبي صلىاللهعليهوسلم الذي آمنتم به قبل أن يبعث ، فكيف كفرتم بالله؟! والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً ...) الآية.
قيل : لما نزلت هذه الآية قدم عبد الله بن سلام على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأسلم ، وقال : يا رسول الله ، ما كنت أرى أني أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفاي (١).
وقيل : طمسها : أن تعمى أبصارها ، وردها على أدبارها (٢).
وقيل : طمس الوجوه : أن تعمى ، وترد عن بصيرتها ، وذلك أنهم كانوا مؤمنين بمحمد صلىاللهعليهوسلم مستيقنين بمحمد صلىاللهعليهوسلم أنه نبي الله ، يجدونه في كتبهم ، يقول : حققوا إيمانكم بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبكتابه من قبل أن نضلكم عن هداكم ؛ فتصيروا ضلّالا ؛ فلا تعلمون ما كنتم تعملون.
ويحتمل أن تكون الآية خرجت على الوعيد ، وهي على التمثيل ، لا على التحقيق.
ويحتمل : على التحقيق ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ)
ويحتمل أن يكون هذا (٣) في الآخرة.
وقوله ـ عزوجل أيضا ـ : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) يحتمل الحقيقة ؛ فيرجع إلى يوم القيامة ، فيذهب عنه جميع محاسن الوجه.
أو نطمس وجوه الحق عنه بمعاندته ، فيبصر الحق بغير صورته والباطل بغير صورته بعد أن كانوا رأوا كل شيء بصورته في كتبهم المنزلة ، والله أعلم.
أو نطمس وجوههم عند أتباعهم الذين لأجلهم غيّروا وحرفوا بما يطلعهم على خيانتهم ، ويظهر لهم تبديلهم ، وقد فعل بحمد الله تعالى.
وقد يحتمل الوعيد : أن يفعل بهم إن لم يؤمنوا حقيقة ذلك ؛ كفعله بأصحاب السبت ، تغير الجوهر ، ثم لعل أولئك قد أسلموا ، أو نزل بهم ولم يذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً)
__________________
(١) ذكره الرازي في تفسيره (١٠ / ٩٨) ، وابن عادل في اللباب (٦ / ٤١٢) ، وانظر تفسير ابن عباس ص ٧١ ، غرائب النيسابوري (٥ / ٦٤).
(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٨ / ٤٤٠) (٩٧١٣) عن ابن عباس ؛ وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٠٠) وزاد نسبته وابن أبي حاتم.
(٣) في ب : تكون هذه.