تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) [النجم : ٣٢] إذ تخرج التزكية مخرج التكبر ، وذلك لجهله بنفسه لما (١) لا يرى غيره شكل نفسه ولا مثله فيتكبر عليه ، ولو (٢) عرف أنه مثله وشكله ما تكبر على أحد قط ، ولا زكي نفسه.
وقول الرجل : أنا مؤمن ، ليس ذلك منه تزكية ، إنما هو إخبار عن شيء أكرم به ، والتزكية هي التي يرى ذلك من نفسه.
وقوله ـ أيضا ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ)(٣) ليس في إظهار الإيمان تزكية ؛ لما لا يخلو من أن تظهر (٤) لمن أبى مشاركتك فيه ، فعليك الإظهار بحق الدعوة إليه ؛ لتدعوه إلى ما تدين به ، أو هو يشاركك فيه ، والتزكية ـ في الحقيقة ـ فيما يوجب تقديمك ، وليس في هذا.
وأيضا : إن القول بالإيمان ليس بمقدر عن معنى العبادة ، أو سبب فيه علو من حيث ذلك ، إنما هو خبر عن أمر هو في اللغة تصديق ، والتصديق بأمر هو كذلك ليس بالذي يعد في الرتب ، بل على كل ذلك ، ولا أحد إلا وقد يؤمن بأشياء ويصدق ، فليس في القول به منقبة ، وكذلك ما من أحد إلا وعليه التكذيب بأمور ، فلا بالتكذيب في الإطلاق لوم ، ولا بالتصديق بالإطلاق مدح ؛ إذ كل في ذلك ، لكن الذم (٥) في تكذيب يكذب به ، فيكون من حيث كذلك ذممت ، ثم تتفاوت على تفاوت درجات الكذب.
ثم التصديق لو كان ثم مدح فهو بصدقه أيضا ، ولا أحد يخرج الصدق كله ؛ فيصير المرء بوصفه نفسه صادقا في شيء تزكية ومدحا ، ولا قوة إلا بالله.
على أن للإيمان حدّا ، وكل عبادة ذات حد ، فلا امتداح ممن قد أداها بالإخبار (٦) عن الأداء ، وبخاصة الفرائض منها ، نحو (٧) من يقول : قد صليت الظهر ، أو أديت زكاة مالي ،
__________________
(١) في أ : بما.
(٢) في ب : وإن.
(٣) قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ٢٣٢) : قال الزمخشري : يدخل في الآية كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند الله ، فإن قلت : أما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : والله! إني لأمين في السماء ، وأمين في الأرض؟ قلت : إنما قال ذلك حين قال له المنافقون : اعدل في القسمة ، إكذابا لهم إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه ، وشتان من شهد الله له بالتزكية ، ومن شهد لنفسه ، أو شهد له من لا يعلم. أه.
(٤) في ب : نظيره.
(٥) في أ : لزم.
(٦) في أ : بالاختيار.
(٧) في ب : نحن.