كانت تحتمل الخصوص ، وفي الحكمة أنه سامع كل صوت ، وعليم بكل شيء ، فبه يشهد ، ولا يقال في ذلك : إنه أراد ذا من الخاص ، نحو قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢٢٧] قال قوم : لا يقع الطلاق حتى يوقع ؛ لأنه ذكر أنه سميع ولو أوقع الطلاق بغير قول ، لم يكن لذكر السميع في هذا الموضع فائدة.
وقال قوم : (سَمِيعٌ) لإيلائه ؛ إذ هو قسم ينطق به ، (عَلِيمٌ) لعزمه ، وقد ذكر (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ؛ فيجب توجيه كل حرف إلى وجه ، ليفيد حقيقة ذلك في هذا الموضع ، ولو كان لا يقع دون القول لكان كل أمره مسموعا ؛ ليلتقي القول بأنه سميع عن القول بأنه عليم.
وفي جملة العقد من [طريق](١) الحكمة أنه سميع بكل صوت ، عليم بكل شيء ، لكن في النوازل يتوجه وجهين لا يجب القطع عليه في الإرادة إلا أن يجىء ما يوجب الإحاطة ، وقد عمل به الخلق على الاختلاف ، والله أعلم.
ووجه آخر من التأويل : أنه يحتمل وجوها لا يسع للكل في حق العمل (٢) أو في حق الشهادة ، لكنها لأحد الحقين ، فإن كان ذلك في حق العمل يجب طلب دليله ، ويكون الدليل على وجهين :
أحدهما : أن يوجب على حق العمل والشهادة جميعا.
والآخر : أن يوجب [على] حق العمل خاصة ، وقد بينا ذلك.
وإن كان في حق الشهادة فيجب الوقف في تحقيق المراد ، والتسليم لله حتى يظهر ، وذلك في حق إضافة الاستواء إلى الله ـ تعالى ـ على العرش ، والقول بالرؤية من حيث يثبت (٣) ما به يرى على الإشارة إليه ، لا بالإحاطة ، ونحو ذلك من الأمور ، والله أعلم.
ووجه آخر : أن يكون احتمال وجوهها إنما يكون بمقدمات ، فيختلف على اختلاف تلك المقدمات ، فلا يجوز تأويل تلك إلا بمعرفة [المقدمة](٤) إذا لم يكن فيها غير معرفة الموقع من المقدمة ؛ نحو قوله ـ تعالى ـ : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) [الشرح : ٧] لم يكن لأحد تأويل واحد من الوجهين حتى يعلم بالسمع أنه فيم كان مشغولا.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) [الكهف : ١٩] لم يكن لأحد طلب مراد قائله أو تأويل مراده ، ولا يظفر به إلا بالوحي ، ولا قوة إلا بالله.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : العلم.
(٣) في أ : ثبت.
(٤) سقط من ب.