والقول في حقه إلى أن يتبين ما كان في حق الشهادة ، فلازم الوقف فيه حتى يظهر ، وما كان في حق العمل ، فإن كان في نوع ما يحتمل الاحتياط فحقه القيام به حتى يظهر دليل التوسيع ، ودليل التوسيع على الوجهين اللذين ذكرت ، وإن كان فيما لا يحتمل الاحتياط فحقه التوقف حتى يظهر والله أعلم.
ولا يخلو شيء إلا أحد الوجهين به حاجة من دليل يكون له.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها)
أي : غير الجلود النضيجة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [الرعد : ٥] أي : تجدد ما قد فني ، وكذلك أعيد ما قد كان من الجلود قبل النضج جديدا في رأي العين من حيث صار الأول نضيجا ، لا أن كان هذا غير الأول ، بل هو الأول غير نضيج ؛ إذ ذلك نعت الأول ، وتعذيب ما كان ارتكب المعصية ؛ لأن التعذيب ـ في الحقيقة ـ على غير الذي أثم فيه.
وقال قائلون : الجلود والعظام ونحو ذلك لم تكن عصت ولا أطاعت ، بل استعملت قهرا وجبرا ، لا أنها عملت طوعا ، لكن الذي به عملت والذي استعملها في الجسد به يتلذذ (١) ويتألم ، فهو المعذب والمثاب بما صدر (٢) من الجسد ؛ ألا ترى أن أجساد أهل الجنة تزداد الحسن والجمال ، وجعل لأهلها حدّا لا يزداد ولا ينتقص (٣) ، وأجساد أهل النار مشوهة قبيحة ؛ ليكون لهم في التقبيح عقوبة ، وللأول بالتحسين ثواب ، فكانت فيها أحوال للجزاء لم تكن للأعمال ، فثبت أن المثاب والمعاقب ما ذكرت ، لكنه يتألم ويتلذذ ، فجعلت على ما بها تمام اللذة والألم من الأجساد لا على إعادة أنفس تلك الأجساد ، بل على التجديد ، كما ذكره في القرآن ، وكذلك المقطوع على بعض الأعضاء في حال الكفر إذا أسلم يبعث سليما ، لا كذلك ، ومثله في حال الإسلام لو أريد لم يرفع عنه ألم ذلك ؛ فدل الذي ذكرت على حق تجدد الثاني على ما شاء الله والذي به كان المأثم والبر على ما قد كان ، والله أعلم.
وللمذهب الأول أن الجزاء هو لما يختم عليه ؛ إذ لو كان إسلام لتمنى لنفسه أحسن الأحوال ، وأسلم البنية ليستعملها بالخير ، فأوجب ذلك إبطال جميع السيئات كانت بجوارح ذهبت أو بقيت ، وكذلك من اختار الكفر فقد آثره ، واختار أن يكون على ذلك ،
__________________
(١) في ب : يتالذ.
(٢) في ب : صور.
(٣) في ب : ينقص.