وإن سلمت جوارحه وتمت فلزمه حكم احتياط جميع ما تقدم بكل فائت منه وباق ، وفي الأول استوجب جعل جميع ما تقدم منه بالفائت والباقى حسنات لما ندم عن الكل بكل الجوارح ، فلحق حكم تبديل السيئات بالحسنات في الكل ؛ فيكون على حكم إعادة الأولى بحق التجديد في المعنى (١) ـ والله أعلم ـ نحو قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) [آل عمران : ٢٢] وقوله : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ...) الآية [الفرقان : ٧٠].
وفي الإعادة كقوله ـ تعالى ـ : (مَنْ يُعِيدُنا ....) الآية [الإسراء : ٥١] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ...) الآية [الرعد : ٥] ، وغير ذلك من آيات البعث ، والله أعلم.
وقال قائلون : الواجب من العقوبة للكفر ، وغيره بحكم التبع له ، وكذلك الثواب الواجب منه (٢) للإيمان ، ولغيره بحكم التبع ، بل به قام ، والأول به سقطت عنه مشيئة العفو ، فصار الذي به الجزاء خاصّا ، وغيره بحكم التبع يزداد وينتقص (٣) ؛ فعلى ذلك أمر الجزاء والتجديد والإعادة ، وكل ذلك للذى هو بحق التبع ، والاتباع في الشاهد بتجدد أعين الأفعال ، ولا يدوم ، والاعتقاد في الأمرين يدوم ، فعلى ذلك أمر الجزاء ولذلك ، والله الموفق.
ولهذا الوجه ما يبطل الخلود لما سوى الكفر ؛ إذ في ذلك إبطال الجزاء الدائم من حيث الأفعال ، وإدامة الجزاء المنقطع من حيث الأفعال ، فيكون فيه زيادة في العقوبة على المثل ، والله يقول : (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [الأنعام : ١٦٠] ، والله الموفق.
ثم اختلف في المبعوث أنه يبعث بجسده أو يبعث الروحاني منه ، سمته بعض الفلاسفة نفسا ، وبعضهم جوهرا روحانيّا ، وبعضهم بسيطا ، فإن كل (٤) جسد فيه روحاني في حياته ومنافعه ؛ وجسده له كالمانع عن جميع ما يحتمل من الأمور ؛ إذ الجوهر الروحاني لطيف ، ينفذ في الأشياء ، ويتخلل إلا بالحابس ، يبين ذلك أمر النائم أن النفس تخرج لقوله ـ تعالى ـ : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [الزمر : ٤٢] ، أو هي مما (٥) يسكن الجوارح وينقطع عنها هم الجسدية يرجع إلى حصة جوهره فيراها تطوف في البلاد النائية ،
__________________
(١) في ب : العين.
(٢) في أ : عنه.
(٣) في ب : وينقص.
(٤) في أ : كان.
(٥) في ب : بما.