وفي الأمكنة العلوية ، حتى لا تصفها أرض ولا سماء تأتى بالأخبار عنها كأنها شاهدة ، أما ما كان ذلك عملها بالجوهر حيث يكون من النفاذ إذا لم تحبس ، أو هي بالجوهر تخرج فتعمل ذلك وهي تسمع وتبصر وتعقل في المنام كأنها بالجسد كذلك ؛ فدل أن العمل في حال اليقظة وما له الجزاء لها ، فعلى ذلك أمر الجزاء ، وعلى ذلك جميع الجواهر التي بها الأغذية والحياة ليست بأعين تلك الأشياء ، ولكن بما جعل في سريتها من الروحاني ، وهي القوى التي تظهر في البدن إلى كل أجزاء البدن ، فتقوى وتصح فيه (١) بحياة روحه ، وتزول عنه الآفات ، وكذلك عن السمع والبصر والعقل حل شيء ثم تلقى فعله (٢) ؛ فعلى ذلك أمر المعاد من الجزاء فهو على ذلك ، وكذلك الثواب يكون من كل موعود مما يعرف في الشاهد بجسده ويرجع إلى السرية التي هي روح لذلك فيكون هو الثواب ؛ لما هو بحكم روح في الجسد ؛ ألا ترى أنه لا يبقى في الآخرة بالأكل الأجساد التي تلقى ، وهي الأثقال التي تفضل في الجسد (٣) ، ويخرج عنها جميع ما فيها من الأقوية والروح ، فثبت أن الأمر يرجع إلى ما ذكرت ، وهذا معنى قوله ـ عليهالسلام ـ : «ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» (٤) لأن [ذلك الجوهر](٥) لا تراه العين ، ولا تسمعه الأذن في الشاهد ، ولا يخطر على القلب ، وتكون لذة ذلك روحانيّا ، لا هذه لذة الحياة بحياتها السمع والبصر ، وكل باطن في الجواهر (٦) ولذة الأجساد إنما يكون باللهاة في الطعم ، وبالعين في اللون ، وهذا النوع ، فيذهب هذا ، ويكون الأول ، وعلى ذلك تذهب العبادات الجسدانية ، وتبقى الروحانية من الحمد ، والثناء ، والتعظيم ، والهيبة ، والمعرفة ، ونحو ذلك يبقى أبدا ، بل يزداد ؛ لما يذهب عنها الحواجب من الجسداني ، وعلى ذلك يبطل تقدير الرؤية ، وإبطاله مما عليه أمر الشاهد لذهاب ما به كونها في الشاهد ، ورجوع الأمر إلى ما يحاط به على سقوط الحواجب ، والله أعلم.
اختلف من ذكرت في أمر البعث :
__________________
(١) في ب : به.
(٢) في أ : نقله.
(٣) في ب : البدن.
(٤) رواه البخاري (٩ / ٤٦٨) : كتاب التفسير : باب قوله ـ تعالى ـ : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) [السجدة : ١٧] رقم (٤٧٧٩) ومسلم (٤ / ٢١٧٤) : كتاب الجنة وصف نعيمها ، رقم (٢٨٢٤) ، والترمذي (٥ / ٢٥٦ ، ٢٥٧) كتاب التفسير : باب ومن سورة السجدة ، رقم (٣١٩٧) ، وابن ماجه (٢ / ١٤٤٧) : كتاب الزهد : باب صفة الجنة رقم (٤٣٢٨) ، من حديث أبي هريرة.
(٥) في أ : تلك الجواهر.
(٦) في ب : الجواهر.