ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) الآية في كل مصيبة تصيبهم ، وكل نكبة تلحقهم أن كانوا يأتون رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيعتذرون (١) كما (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ ...) الآية [التوبة : ٩٤] ؛ لأنهم كانوا يميلون إلى حيثما كانوا يطمعون من المنافع من الغنيمة وغيرها ، إن رأوا النكبة والدبرة على المؤمنين مالوا إلى هؤلاء (٢) ، ويظهرون الموافقة لهم ؛ طمعا منهم ، ويقولون : إنا معكم ، وإن كانت [النكبة و](٣) الدبرة على الكافرين يظهرون الموافقة لهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ١٤١] هذا كان دأبهم وعادتهم أبدا.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) قيل فيه بوجوه :
قيل : إلا تخفيفا وتيسيرا عليك.
وقيل : قالوا : تحاكمنا إليه على أنه إن وفق ، وإلا رجعنا إليك.
وفيه دلالة بطلان تحكيم الكافر والتحاكم إليه ، وذلك حجة لأصحابنا ـ رحمهمالله ـ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ)(٤) من النفاق والخلاف غير ما حلفوا ، (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، ولا تعاقبهم في هذه المرة ، (وَقُلْ لَهُمْ) : إن فعلتم مثل هذا ثانية عاقبتكم.
ويحتمل : أن يكون على الوعيد ، أي : لا تعاقبهم ؛ فإن الله ـ عزوجل ـ هو معاقبهم.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً)
قيل : أي : تخفيفا وتيسيرا عليك ، على أنه إن وفق للصواب وإلا رجعنا إليك ؛ إحسانا وتوفيقا ؛ لما لعل (٥) التحاكم إليهم يحملهم على الرجوع إلى دين الإسلام.
__________________
(١) في ب : فيعتذرونه.
(٢) في ب : أولئك.
(٣) سقط من ب.
(٤) قال القاسمي (٥ / ٢٧١) : قال بعض المفسرين : وثمرة الآية قبح الرياء والنفاق واليمين الكاذبة والعذر الكاذب ؛ لأنهم اعتذروا بإرادتهم الإحسان ، وذلك كذب. ثم قال : ودلت الآية على لزوم الوعظ والمبالغة فيه.
(٥) في أ : نقل.