وفي حرف حفصة : «وإذا دعوت الكافرين والمنافقين إلى ما أنزل الله رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا».
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً)(١)
يحتمل هذا ما ذكر في القصة الأولى : أن عمر ـ رضي الله عنه ـ لما قتل ذلك الرجل المنافق جاء المنافقون إلى الرسول (٢) صلىاللهعليهوسلم يحلفون بالله ما أراد ذلك الرجل (٣) إلا (إِحْساناً) أي : تخفيفا وتيسيرا عليك ؛ ليرفع عنك المؤنة ، (وَتَوْفِيقاً) إلى الخير والصواب.
وقيل : نزلت في المنافقين في بناء مسجد ضرار (٤) ؛ كقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) [التوبة : ١٠٧].
__________________
ـ أناس أصدّوا الناس بالسّيف عنهم
قال الفراء : يقال : صددته ، أصدّه ، صدّا. وأصددته : إصدادا.
وكان صدهم عن سبيل الله بإلقاء الشّبه في قلوب الضعفة من المسلمين ، وكانوا ينكرون كون صفته في كتابهم.
ينظر : الشواذ ٢٨ ، والمحرر الوجيز (١ / ٤٨١) ، والبحر المحيط (٣ / ١٦) ، والدر المصون (٢ / ١٧٣).
(١) قال القاسمي (٥ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩) : قال الرازي : ذكروا في تفسير قوله ـ تعالى ـ : (أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) وجوها :
الأول : إن المراد منه قتل عمر صاحبهم ؛ الذي أقر أنه لا يرضى بحكم الرسول عليهالسلام ، فهم جاءوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فطالبوا عمر بدمه ، وحلفوا أنهم ما أرادوا بالذهاب إلى غير الرسول إلا المصلحة ، وهذا اختيار الزجاج.
قلت : واختياره غير مختار ؛ لأن قصة قتل عمر لم ترو من طريق صحيح ولا حسن ، فهي ساقطة عند المحققين ، واستدلال الحاكم ، الذي قدمناه ، مسلم ، لو صحت.
الثاني : قال أبو علي الجبائي : المراد من هذه المصيبة ما أمر الله ـ تعالى ـ الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أنه لا يستصحبهم في الغزوات ، وأنه يخصهم بمزيد الإذلال والطرد عن حضرته ، وهو قوله تعالى ـ : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً)[الأحزاب : ٦٠ ـ ٦١] وقوله : (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً)[التوبة : ٨٣] وبالجملة ، فأمثال هذه الآيات توجب لهم الذل العظيم ، فكانت معدودة في مصائبهم ، وإنما يصيبهم ذلك لأجل نفاقهم.
الثالث : قال أبو مسلم الأصفهاني : إنه ـ تعالى ـ لما أخبر عن المنافقين أنهم رغبوا في حكم الطاغوت ، وكرهوا حكم الرسول ، بشر الرسول صلىاللهعليهوسلم أنه ستصيبهم مصائب تلجئهم إليه ، وإلى أن يظهروا له الإيمان به ، وإلى أن يحلفوا بأن مرادهم الإحسان والتوفيق.
(٢) في ب : رسول الله.
(٣) في ب : المنافق.
(٤) ذكره أبو حيان في البحر (٣ / ٢٩٣).