الاحتلام علما لبلوغه وإدراكه لذلك ؛ ولهذا لم يعمل الإكراه عليهما ، نحو من أكره [على الزنا](١) ؛ فزنا ؛ فإنه (٢) عليه الحد ؛ لأن الإكراه لا يعمل عليه (٣) ؛ فإنما كان بفعل منه ، إلا الوالي ؛ فإنه إذا أكره آخر بالزنا ففعل لم يقم عليه الحد ؛ لما جعلنا ذلك كالعلم بالسبب الذي يحل ؛ وكذلك لو أكره حتى وطئ امرأة لزمه المهر ، ولا يرجع على المكره.
ولو أكره على إتلاف مال من أمواله ففعل لرجع على المكره ؛ للمعنى الذي وصفنا ؛ ولهذا ما وقع طلاق المكره ونكاحه وعتاقه ؛ لأن هذه الأشياء إنما تقع باللسان ، واللسان مما لا يعمل عليه الإكراه ؛ لذلك جاز ، والله أعلم.
وأما البيوع والأشربة والعقود كلها سوى هؤلاء ، تكون بالتسليم والقبض دون النطق باللسان والتكلم بها ، فالإكراه مما يعمل عليها ؛ لما أمكن استعمالها غيره ؛ لذلك افترقا ؛ ولهذا ما قلنا : إن الإيمان يكون بالقلب دون اللسان ؛ لأنه إذا أكره حتى يكفر ؛ فأجرى كلمة الكفر على لسانه ، وكان قلبه مطمئنّا بالإيمان ـ لم يكفر ، فإذا اطمأن قلبه بالكفر ـ كفر ؛ لأن الإكراه لا يعمل على القلب ، ولا يصير المكره مستعملا له ، إنما المستعمل هو ؛ لا غير ؛ لذلك كان الجواب ما ذكرنا.
ومعنى جعل الاحتلام بلوغا هو إمكان استعمال سائر الجوارح دونه ـ يعني : الفرج ـ إلا بعد الكبر ، وما كان المعروف من الآباء والأولاد ، وما كان مما يجرى الأمر بابتغاء المكتوب من الولد يكون بعد البلوغ ، وبعيد ذلك ، إلا في الوقت الذي لو ابتغى لوجد ولقدر عليه ، وليس ذلك إلا في خروج الماء للشهوة.
ثم يكون في المتعارف الاحتلام عن ذلك ؛ فجعل علما له ؛ ولذلك قيل : (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) ثم فرق في حق الكتاب بين اللسان وغيره ؛ من حيث لا يملك أحد قهر لسان آخر حتى ينطق دون صاحبه ؛ فبه يظهر سبب جري القلم من الإقرار بالبلوغ ، وهذا معنى ما جعل سببه بما لا يعلمه غيره ؛ ليكون أول أحوال البلوغ وقوع قوله بحيث البلوغ ، مع ما كان النطق فعل من يجري في جنسه الخطاب ؛ وكأنه اتصل أمره بالسبب الذي خص به
__________________
(١) في ب : بالزنا.
(٢) في ب : فإن.
(٣) مذهب الحنفية لو أكره الشخص بملجئ على الزنا ـ لم يرخص له ؛ لأن في الزنا قتل أنفس بضياعها ؛ إذ ولد الزنا هالك حكما ؛ لعدم من يربيه فلا يستباح بضرورة ما ؛ كالقتل. ولا يجد المكره عليه ؛ استحسانا. أما المرأة فيرخص لها الزنا بالإكراه الملجئ ، ولا يرخص لها بغير الملجئ ، لكنه مسقط للحد في زناها ، ولا يسقط غير الملجئ عن الرجل. انظر : رد المحتار (٥ / ١١٦) ، وحاشية الدسوقي (٢ / ٣٦٩) ، وقليوبي وعميرة (٤ / ١٧٩).