الممتحن من العقل ؛ إذ كان العقل قد يعرف بالمحنة والاحتلام لا ؛ فأمرنا بالابتلاء من حيث العقول ، ولم نؤمر من حيث الاحتلام ، بل يقبل قوله في ذلك.
ودل قبول قول من بلغ بالإخبار عن احتلامه ، وبه يجري القلم عليه ، ويلزم الحقوق ـ أن يقبله ، يجوز في ذلك الوقت ـ وبخاصة على قول من يرى الابتلاء بعد الإدراك ـ أنه لو لم يقبل فبم نبتليه؟ ثم إذا (١) جاز قوله لزم كل أمر علق به ، وعلى ما ذكرت من أول ما علق به القول في حق البلوغ دليل اتصال حكم القول بالعقل ، وتمام العقل بالبلوغ ؛ إذ به يجري القلم.
ودل ما ذكرت من امتناع اللسان عن سلطان غير صاحبه عليه ـ على لزوم كل حق معلق به على الإكراه ؛ إذ لا يلزم بغيره ، وهو لا يجري عليه ، ثم كل أمر يكون لا به يصير اللسان سببا فيه (٢) كالمعلم عنه ، وهو مما يجري عليه القهر ، ويعلم به ؛ فيبطل ، والله أعلم.
وقوله : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً)(٣)
الإسراف : هو كل ما نهي عنه.
وقيل : الإسراف : هو أكل في غير حق (٤) ؛ وكأن الإسراف هو المجاوزة عن الحد ، وهو كقوله : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا) [الفرقان : ٦٧] ، وكان القتر مذموما ، فعلى ذلك الإسراف في النفقة في مال اليتيم.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِسْرافاً وَبِداراً) ، قيل : البدار : هو المبادرة (٥) ، وكلاهما لغتان ، كالجدال والمجادلة ، وهو أن يبادر بأكل مال اليتيم ؛ خشية أن يكبر ؛ فيحول بينه وبين ماله ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «ولا تأكلوها إسرافا وبدارا خشية أن يكبروا».
__________________
(١) في ب : إذ.
(٢) في ب : فيه به.
(٣) قال القرطبي (٥ / ٢٨) : ليس يريد أن أكل مالهم من غير إسراف جائز فيكون له دليل خطاب ؛ بل المراد : ولا تأكلوا أموالهم ؛ فإنه إسراف ، فنهى الله ـ سبحانه وتعالى ـ الأوصياء عن أكل أموال اليتامى بغير الواجب المباح لهم.
(٤) ذكره ابن جرير بمعناه في تفسيره (٧ / ٥٧٩) ، وابن عادل في اللباب (٦ / ١٩٠) ، والسيوطي في الدر (٢ / ٢١٥) وعزاه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
(٥) أخرجه ابن جرير ٧ / ٥٨٠ (٨٥٩٠).
ينظر : اللباب لابن عادل (٦ / ١٩٠).