وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)
أطلق الله ـ تعالى ـ لولي اليتيم ـ بظاهر الآية ؛ إذا كان فقيرا ـ أن يأكل بالمعروف من غير إسراف ، وذلك هو الوسط منها ، وكذلك روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّ رجلا سأله ، فقال : ليس لي مال ، ولي يتيم؟ فقال : «كل مال يتيمك غير مسرف ، ولا متأثّل (١) مالك بماله» (٢) وفيه دليل أن الغني لا يجوز له أن يأكل مال اليتيم ، وأن الفقير إذا أكل منه : أنفق نفقة لا إسراف فيها.
وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم : إذا (٣) استغنيت استعففت ، وإذا احتجت أكلت بالمعروف ، فإذا أيسرت قضيت (٤).
وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : الوصي إذا احتاج وضع يده مع أيديهم ، ولا يكتسى عمامة (٥).
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : في قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)(٦) ، قالت (٧) : يأكل والي اليتيم من مال اليتيم ؛ إذا كان يقوم له على ماله ،
__________________
(١) المتأثل من المال : المجموع ذو الأصل ، من أثلة الشيء وهي أصله ، وتأثل ماله : اكتسبه واتخذه وثمره. ينظر : لسان العرب (١ / ٢٨) (أثل) ، والنهاية لابن الأثير (١ / ٢٣) (أثل).
(٢) أخرجه أبو داود (٢ / ١٨٢) كتاب الوصايا : باب ما جاء فيما لولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم (٢٨٧٢). البستاني في المجتبى (٦ / ٥٦٧) كتاب : الوصايا : باب ما للوصي من مال اليتيم إذا قام عليه ، وابن ماجة (٤ / ٢٨١) الوصايا : باب قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء : ٦] (٢٧١٨) وأحمد (٢ / ١٨٦ ، ٢١٥).
(٣) في ب : إن.
(٤) أخرجه ابن جرير (٧ / ٥٨٢) (٨٥٩٧).
وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢١٦) وعزاه لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير والنحاس في ناسخه وابن المنذر والبيهقي في سننه من طرق عن عمر بن الخطاب.
(٥) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ٥٨٧) (٨٦٢٤) عن عكرمة و (٨٦٢٩) عن مكحول.
وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢١٦).
(٦) قال القرطبي (٥ / ٢٩) : قال الحسن : هو طعمة من الله له ، وذلك أنه يأكل ما يسد جوعته ، ويكتسي ما يستر عورته ، ولا يلبس الرفيع من الكتان ولا الحلل. والدليل على صحة هذا القول إجماع الأمة على أن الإمام الناظر للمسلمين لا يجب عليه غرم ما أكل بالمعروف ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قد فرض سهمه في مال الله ؛ فلا حجة لهم في قول عمر : فإذا أيسرت قضيت ـ أن لو صح. وقد روي عن ابن عباس وأبي العالية والشعبي أن الأكل بالمعروف هو كالانتفاع بألبان المواشي ، واستخدام العبيد ، وركوب الدواب إذا لم يضر بأصل المال ؛ كما يهنأ الجرباء ، وينشد الضالة ، ويلوط الحوض ، ويجذ التمر. فأما أعيان الأموال وأصولها فليس للوصي أخذها. وهذا كله يخرج من قول الفقهاء : إنه يأخذ بقدر أجر عمله ، وقالت به طائفة ، وأن ذلك هو المعروف ، ولا قضاء عليه ، والزيادة على ذلك محرمة.
(٧) في ب : وقالت.