ثم اختلف في قتل الأنفس :
قال بعضهم : هو أن يقتل كلّ نفسه.
وقال آخرون : هو أن يأمر أن يقتل بعض بعضا ، وأما قتل كلّ نفسه فإنه لا يحتمل لوجهين :
أحدهما : وذلك أنه عبادة شديدة مما لا يحتمل (١) أحد ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] أخبر أنه لا يكلف ما لا طاقة له.
والثاني : أن فيه قطع النسل وحصول الخلق للإفناء خاصة ، وذلك مما لا حكمة في خلق الخلق للإفناء خاصة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) ، قيل : هو عبد الله بن مسعود ، وعمار (٢) ، وفلان ، وفلان ـ رضي الله عنهم ـ ولا تدري أيصح أم لا؟ ولو كان قوله ـ تعالى ـ : (أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(٣) قتل بعض بعضا فذلك ما (٤) أمروا به بمجاهدة العدو ، والإخراج من المنزل ، والهجرة ، ثم أخبر أنهم لا يفعلون ذلك إلا قليل منهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) يحتمل هذا وجهين :
لو فعلوا ما يؤمرون به من الإسلام والطاعة لكان خيرا لهم من ذلك.
ويحتمل : لو أنهم فعلوا ما يؤمرون به من القتل لو كتب عليهم ، لكان خيرا لهم في الآخرة ، (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) قيل : حقيقة.
وقيل : تحقيقا في الدنيا.
وقيل : ما يوعظون به من القرآن
(لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) في دينهم
(وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) يعني : تصديقا بأمر الله (٥).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) يحتمل وجهين :
__________________
(١) في ب : يتحمل.
(٢) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٢٤) وعزاه لابن المنذر عن عكرمة.
(٣) قال القاسمي (٥ / ٢٩٥) : قال بعض المفسرين : أراد حقيقة القتل والخروج من الديار ، وقيل : أراد التعرض للقتل والجهاد ، وأراد الهجرة بالخروج من الديار ، والمعنى : لو أمر المنافقون كما أمر المؤمنون ما فعلوه. ا ه. والقول الثاني بعيد ؛ لأنه لا يعدل عن الحقيقة إلا لضرورة ، ولمنافاته للآثار المذكورة الصريحة في الأول.
(٤) في ب : مما.
(٥) أخرجه ابن جرير (٨ / ٥٢٩) (٩٩٢٢) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٢٤) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن السدي.