وكذلك روى عن الكسائي.
وفيه دلالة : أن على المسلمين أن يستنقذوا أسراهم من أيدي الكفرة إذا أسروا بأي وجه ما قدروا عليه : بالأموال ، والقتال ، وغير ذلك ، وذلك فرض عليهم ، وحق ألا يتركوهم في أيديهم ؛ لأنه قال الله ـ تعالى ـ : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها ...)(١) الآية.
وفي الآية دلالة أن إسلام الصغار إسلام ، وكفرهم كفر (٢) إذا عقلوا ؛ لأنه قال الله ـ تعالى ـ : (وَالْوِلْدانِ) والكبار من الرجال والنساء لا يسمون : ولدانا ، إنما يسمون الصغار منهم ؛ لأنه عاتبهم بتركهم في أيدي الكفرة ، فلو كانوا على حكم أولاد الكفرة لم يكن للتعبير والعتاب وجه بتركهم في أيديهم ؛ إذ لم يعاتبوا بترك ولدان الكفرة في أيديهم ؛ فدل أنه إنما لحقهم العتاب لإسلامهم ، وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ...) الآية [النساء : ٩٧] ، ثم استثنى المستضعفين ، فقال ـ عزوجل ـ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) [النساء : ٩٨] فلو لم يكن إسلام الولدان إسلاما ، ولا كفرهم كفرا ، لم يكن لاستثنائهم من أولئك وإخراجهم من الوعيد الذي ذكر ـ معنى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ ...) سألوا الله ـ عزوجل ـ أن يخرجهم من القرية ، وهم علموا أنه لا يتولى نحوه (٣) السماء ، ولكن على أيدي قوم يعينهم على ذلك ، وهم علموا أن لله ـ تعالى ـ في ذلك صنعا ، والمعتزلة لم يعلموا ،
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ٥٤٤) (٩٩٤٧) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٢٨) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.
(٢) قال القاسمي (٥ / ٣٠٩) : قال بعض المفسرين : ثمرة هذه الآية تأكيد لزوم الجهاد ؛ لأنه ـ تعالى ـ وبخ على تركه ، وتدل الآية على لزوم استنقاذ المسلم من أيدي الكفار ، ويأتي مثل هذا استنقاذه من كل مضرة ، من ظالم أو لص وغير ذلك ، ووجه مأخذ ذلك ، أنه ـ تعالى ـ جعل ذلك كالعلم للانقطاع إليه ، وتدل على أن حكم الولدان حكم الآباء ، لأن الظاهر أنه أراد الصغار.
(٣) اختلف العلماء في إسلام الصبي على مذهبين :
الأول : يصح إسلام الصبي في الجملة ، وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك والحنابلة ، غير أن الحنفية اشترطوا في الصبي العقل.
الثاني : لا يصح إسلامه وهو مذهب الشافعي وزفر ، وتنظر أدلة كل من الفريقين وترجيح الأول في : بدائع الصنائع (٧ / ١٣٥) ، تحفة الفقهاء للسمرقندى (٣ / ٣٠٩) ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٣ / ٣٠٨) ، المغني لابن قدامة (٨ / ١٣٣) ، وشرح المهذب (١٨ / ٥) ، المهذب (٢ / ٢٢١) ، المبسوط (١٠ / ١٢٠).
(٤) في الأصول : نحو.