ومن ذلك : البائع ـ أيضا ـ [إذا سلم](١) المبيع إلى المشترى كان مسلّما وإن لم يقبض المشترى.
وكذلك من صلى صلاة الظهر في منزله ، ثم خرج إلى الجمعة (٢) يصير رافضا للظهر ؛ لأن عليه الخروج إليها ؛ فيصير بالخروج إليها كالمباشر لها ، وإن لم يباشر ؛ على سبيل ما جعل الباذل لنفسه لله ـ عزوجل ـ والمسلم إليه ، كأنها أخذت منه في استيجاب العوض الذي وعد له ؛ فعلى ذلك يجب أن يجعل تسليم ما ذكرنا إلى المحق كأخذ المحق منه ، وإن لم يأخذ ، وليس كالقيام إلى الخامسة ، ولا كالمتوجه إلى عرفات قبل فراغه من العمرة ؛ لأن على هؤلاء الفراغ مما كانوا فيه ، ثم التوجه إلى عرفات والقيام إلى الخامسة ؛ فلم يصح ذلك.
وأما المرأة والبائع ومؤدى الظهر في منزله عليهم التسليم والبذل ؛ لذلك كان ما ذكرنا ، والله أعلم.
وفي الآية أن الله ـ تعالى ـ عامل عباده معاملة أهل الفضل والإحسان كأن لا حق له ، لا معاملة ذى الحق ، وإن كانت الأنفس والأموال كلها له في الحقيقة ؛ حيث فرض عليهم (٣) الجهاد ، وجعل لهم بذلك عوضا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ، وقال الله ـ عزوجل ـ في آية أخرى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) [التوبة : ١١١] من المؤمنين كثيرا من لا حق له فيها ، وهي له في الحقيقة ، ووعد لهم على ذلك عوضا وأجرا عظيما.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، وقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ...) الآية [التوبة : ٣٨] ، مثل هذا لا يقال إلا لتفريط سبق منهم ، ثم لم يزل اسم الإيمان منهم بذلك ، وكان (٤) الجهاد فرضا عليهم ؛ فهذا ينقض على من يخرج مرتكب الكبيرة من الإيمان.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي المستضعفين (٥)؟!.
__________________
(١) في ب : إن أسلم.
(٢) في ب : الجهة.
(٣) في ب : لهم.
(٤) في أ : وما كان.