وقال بعضهم : (بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [أي](١) : حصينة.
وقيل : قصور محصنة طوال (٢).
وقوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) معلوم أنهم لم يريدوا بالحسنة والسيئة حسنة في الدين وسيئة في دينهم ، ولكن إنما أرادوا بالحسنة والسيئة في الدنيا من المنافع والبلايا والشدائد ؛ وذلك أنهم [ما كانوا يحزنون](٣) لما يصيبهم من السيئة في الدين ، ولا كانوا يفرحون بالحسنة والخير في الدين ، ولكن فرحهم بما كانوا يصيبون في (٤) الدنيا من الخصب والسعة ، وحزنهم بما يصيبهم من الضيق والشدة ، وكانوا يتطيرون برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهكذا كان دأب الكفرة من قبل ، كانوا يتطيرون بالأنبياء والرسل ـ عليهمالسلام ـ كقوله ـ عزوجل ـ إخبارا عن قوم موسى صلىاللهعليهوسلم : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) [الأعراف : ١٣١] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) [النمل : ٤٧] ، وقال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف : ١٣١] ؛ فعلى ذلك قولهم : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) ؛ تطيرا منهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ)
أي : بتقديره كان وقضائه ، فضلا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] وجزاء ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] أي : ما أصابهم إنما أصابهم بسوء صنيعهم برسل الله صلى الله عليهم وسلم وتكذيبهم إياهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) أي : لا يفقهون ما لهم وما عليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)(٥) وروي
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه ابن جرير (٨ / ٥٥٢) (٩٩٥٧) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٢٩) وزاد نسبته لعبد ابن حميد وابن المنذر.
(٣) في ب : كانوا لا يحزنون.
(٤) في ب : من.
(٥) قال القرطبي (٥ / ١٨٥) : مسألة : وقد تجاذب بعض جهال أهل السنة هذه الآية واحتج بها ؛ كما تجاذبها القدرية واحتجوا بها ، ووجه احتجاجهم بها أن القدرية يقولون : إن الحسنة هاهنا الطاعة ، ـ