أحدهما : أن المقصود منه يدرك بالتأمل والتدبر ؛ إذ به جرى الأمر والترغيب قبل وقت العمل ، بل ألزم القيام بما يعقل بالتدبر.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : أن الأمر ليس على مخرج الكلام عند أهل اللسان ، ولا على حق الأيسر (١) في اللغة ؛ إذ حق مثله أن يرغب في معرفة الموقع عند أهل اللسان من المخرج ، ويوجه إليه لا يدبّر فيه ، والله أعلم.
ومعلوم ـ أيضا ـ أن التدبر فيه حظ الحكماء وأهل البصر ، لا حظ العوام ، وما يعرف من حيث اللسان فهو حظ الفريقين ، ثبت أن على العوام اتباع الخواص فيما فهموا هم والاقتداء بهم ، والله أعلم.
والثاني : أنه جعل وجه معرفة الاختلاف والاتفاق بالتدبر فيه لا يقرع الكلام السمع ، وإذا ثبت ذلك لم يلزم العمل بشيء من الظاهر حتى يعرف الموقع أنه على ذلك بالتدبر ؛ لئلا يلحق المتمسك به النقيض بالتدبر ، والله أعلم.
والوجه الثاني (٢) : بما (٣) تضمنت الاختلاف أن ارتفاع الاختلاف جعله حجة على أنه عن الله ؛ إذ علم الله ـ مما جبل عليه الخلق ـ أنه لا أحد يملك بحق الاختراع لا عن علم السماع ينتهي إليه عن الله بخبر الصادقين ، يملك تأليف الكلام ونظم مثله غير (٤) متناقض ، ولا مختلف ينفي بنفي الاختلاف ما قرن به من الكهنة ؛ إذ كذلك كلام الكهنة يخرج مختلفا ، وما قرن من تعليم البشر وأساطير الأولين ، والسحر ، ونحو ذلك ؛ إذ كل ذلك يخرج على الاختلاف ، وفي ذلك بيان حظر جعل المخرج بحق اللسان من الاسم حجة ودليلا ؛ لما يوجد من ذلك الوجه اختلافا كثيرا ، ولو كان من ذلك الوجه الاحتجاج ـ لوجد الاختلاف ، ومن رام أن يجعل القرآن ـ لو لا بيان الخبر ـ موقعه على جهة قد يقع فيه الاختلاف دونه ـ فهو وصف القرآن مع اجتماع الخبر بنفي الاختلاف ، وأما ما هو في نفسه مختلف ، فمثله لكل كاهن وبشر أريد تثبيت التناقض فيه أمكن لمن يذب عنه إن كان عنه مترجم [معبر](٥) يجب ضم تأويله إليه ، فيبطل أن يكون على أحد ، ووجود اختلاف في
__________________
(١) في أ : الآية.
(٢) في الأصول : والوجه الثالث.
(٣) في ب : مما.
(٤) في أ : عن.
(٥) سقط من ب.