مضمونه ، وليعلموا (١) به.
ثم يحتمل بعد هذا وجهان :
أحدهما : قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) أي : لو كان هذا القرآن من عند غير الله ، لكان لا يوافق بما يخبرهم النبي صلىاللهعليهوسلم ولكن يخبرهم مخالفا لذلك ؛ لأن الكهنة ، الذين كانوا يدعون الخبر عن غيب ، لا يخرج خبرهم موافقا ، بل كان بعضه مخالف لبعض مناقض له ، فلما خرج هذا ما يخبر النبي صلىاللهعليهوسلم من سرائرهم موافقا له ، دل أنه خبر عن الله تعالى.
والثاني : أنهم كانوا يقولون : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧] (ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) [سبأ : ٤٣] ونحوه ، فأخبر الله ـ تعالى ـ أنه لو كان من عند غير الله لكان لا يوافق لما عندهم من الكتب ، بل كان مختلفا متناقضا ، فلما خرج هذا القرآن مستويا ، موافقا لسائر الكتب ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) [آل عمران : ٥٠] دل أنه من عند الله نزل.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن هذا القرآن نزل على محمد صلىاللهعليهوسلم في أوقات متفرقة متباعدة على نوازل مختلفة ، فلو كان من عند غير الله نزل ـ لخرج مختلفا ، مناقضا (٢) بعضه بعضا ؛ لأن حكيما من البشر لو تكلم بكلمات في أوقات متباعدة ـ لخرج كلامه متناقضا مختلفا ، إلا أن يستعين بكلام ربّ العالمين ، ويعرضه عليه ؛ فعند ذلك لا تناقض ، فلما خرج هذا ـ مع تباعد الأوقات ـ غير مختلف ولا متناقض ، دل أنه من عند الله ـ تعالى ـ نزل ، وبالله التوفيق.
وفيه الاحتجاج على الملحدة ؛ حيث قال ـ عزوجل ـ : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ...) إلى قوله : (اخْتِلافاً كَثِيراً) فلو وجدوا لأظهروا ذلك ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) ولو قدروا على ذلك لأتوا به ؛ دل ترك إتيانهم ذلك : أنهم لم يقدروا على إتيان مثله ، ولو وجدوه مختلفا لأظهروه ، ولو كان من كلام البشر ـ على ما قالوا ـ لأتوا به ؛ لأنهم (٣) من البشر ؛ فظهر أنه منزل من عند الله ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) وقوله : (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) [ص : ٢٩] دلالة بينة (٤) على وجهين :
__________________
(١) في ب : وليعلموا.
(٢) في ب : متناقضا.
(٣) في أ : لأنه.
(٤) في ب : تنبيه.