فتوكل على الله ، وثق به ، ولا تخافهم ، فإن الله ـ تعالى ـ يدفع عنك شرهم وكيدهم.
ويحتمل : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في جزائه ؛ فإن الله هو يتولى جزاء تكذيبهم إياك ، والله أعلم.
(وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) فيما ذكرنا.
أي : كفي به مانعا ، فلا أحد أمنع منه.
وقيل : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء : ٧٩] مما (١) يبيتون وحافظا.
وقال بعضهم : لا يكون التبييت إلا بالليل ، يؤلفون الشيء ويقدرونه بالليل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(٢)
لو كان الحكم لظاهر المخرج على ما يقوله قوم ـ لكان القرآن خرج مختلفا متناقضا ؛ لأنه قال ـ عزوجل ـ في الآية : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...) الآية [التوبة : ٤٤] ، ويقول في آية أخرى : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٤٥] لو كان على ظاهر المخرج فهو مختلف ، وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة : ٢٣٠] ، وقال الله ـ عزوجل ـ في آية أخرى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) في إحداهما حظر وفي الأخرى إباحة ، فلو كان على ظاهر المخرج والعموم ـ لكان مختلفا متناقضا ، ويجد أهل الإلحاد أوضح طعن فيه وأيسر سبيل إلى القول بأنه غير منزل من عند الرحمن ؛ إذ به وصفه أنه لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
وقال ـ عزوجل ـ : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ...) الآية [فصلت : ٤٢] ، وقال ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩] ثم وجد أكثر ما فيه الحكم متفرقا إلى غير المخرج ، ومحصلا على غير مجرى اللفظ من (٣) العموم والخصوص ؛ فدل به أن الحكم لا كذلك ، ولكن المعنى المودع فيه والمدرج ، لا يوصل إلى ذلك إلا بالتدبر والتفكر فيه ، وإلى هذا ندب الله عباده ؛ ليتدبروا فيه ؛ ليفهموا
__________________
(١) في ب : بما مما.
(٢) قال القاسمي (٥ / ٣٢٢) : قال الحافظ ابن حجر : من أمعن في البحث عن معاني كتاب الله ، محافظا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعن أصحابه ، الذين شاهدوا التنزيل ، وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه ، وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك ، مقتصرا على ما يصلح للحجة منها ، فإنه الذي يحمد ، وينتفع به ، وعلى ذلك يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم. انتهى.
(٣) في ب : و.