(لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٦٢] وحيث قال : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر : ٣٩ ـ ٤٠]
وقال غيرهم ما ذكرنا على التقديم والتأخير : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به إلا قليلا منهم ، والله أعلم بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ)
قوله : (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) يحتمل وجهين :
أي : ليس عليك حسابهم ولا جزاء تخلفهم ، إنما حساب ذلك عليهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، وكقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور : ٥٤].
والثاني : (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ)
أي : تكلف أنت بالقتال والجهاد ، وإن تخلف هؤلاء عن الخروج معك ؛ يؤيد ذلك ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : هذا حين استنفر النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ بوعد أبي سفيان بدرا الصغرى ، فخذله الناس ؛ فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية ؛ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لأخرجنّ إلى بدر وإن لم يتّبعنى أحد منكم» ، فاتبعه أقل الصحابة (١) ـ رضي الله عنهم ـ وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل (٢).
وفيه دليل وعد النصر له والفتح ، والنكبة على الأعداء ؛ لأنه تكلف الخروج وحده ؛ فلو لم يكن وعد النصر له ـ لم يؤمر بالخروج ؛ ألا ترى أنه قال الله ـ عزوجل ـ : (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، و «عسى» من الله ـ تعالى ـ واجب.
وفي قوله ـ تعالى ـ : (عَسَى اللهُ) وعد نصره وإن خرج وحده ؛ إذ ال «عسى» هو من الله واجب.
وقوله ـ عزوجل ـ : و (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) يحتمل وجوها :
يحتمل : حرض المؤمنين بالثواب لهم وكريم المآب على ذلك.
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : و (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) ؛ لما في القتال معهم إظهار دين الله ـ الإسلام ـ وفي ترك المجاهدة والقتال معهم نصر العدو عليهم ، وإظهار دينهم ، أمر ـ عزوجل ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم ليرغبهم في مجاهدة أعدائهم.
__________________
(١) في ب : أصحابه.
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ١٨٠) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عباس. وينظر : اللباب لابن عادل (٦ / ٥٢٩).