(لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(١) أي : يستخرجونه من كتاب الله تعالى.
وقيل : (أُولِي الْأَمْرِ) ولاة الأمر الذين يستنبطونه (٢) ، والذين أذاعوا به : قوم إما منافقون وإما مؤمنون ، على ما ذكرنا ، إنما هو : أذاعوا به إلا قليلا منهم (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ...) الآية على قول بعض.
وقوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً)
اختلف فيه : قيل : فضل الله : [رسولنا](٣) محمد صلىاللهعليهوسلم ، ورحمته : القرآن ؛ تأويله : لو لا محمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن لا تبعوا الشيطان إلا قليلا منهم لم يتبعوه ، ولكن آمنوا بالعقل.
وقيل : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) في الأمر والنهي عن الإذاعة والإفشاء ، وإلا لأذاعوه واتبعوا الشيطان في إذاعتهم به (إِلَّا قَلِيلاً) منهم فإنهم لا يذيعون به.
وعن الضحّاك قال : هم أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم كانوا حدّثوا أنفسهم بأمور من أمور الشيطان إلا طائفة منهم لم يحدثوا بها أنفسهم (٤).
وقال آخرون : هم المنافقون ، كانوا إذا بلغهم أن الله ـ تعالى ـ أظهر (٥) المسلمين على المشركين وفتح عليهم ـ صغروه وحقروه ، وإذا بلغهم أن المسلمين نكبوا نكبة ـ شنعوه (٦) وعظموه (٧).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (إِلَّا قَلِيلاً) يقول : لعلموا الأمر الذي يريدون ، والخبر كله ، (إِلَّا قَلِيلاً) يقول : لم يخف عليهم إلا قليلا من ذلك الأمر ؛ (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ ...) الآية.
وعن الحسن قال : هم الذين استثنى الله ـ عزوجل ـ حين قال إبليس ـ لعنه الله ـ
__________________
ـ ليعلمهم منهم المجتهدون في استنباط وجوه التوفيق.
وقال بعض الإمامية : ثمرة الآية أنه يجب كتم ما يضر إظهاره المسلمين ، وأن إذاعته قبيحة ، وأنه لا يخبر بما لم يعرف صحته ، وتدل على تحريم الإرجاف على المسلمين ، وعلى أنه يلزم الرجوع إلى العلماء في الفتيا ، وتدل على صحة القياس والاجتهاد ، لأنه استنباط. انتهى.
(١) ذكره أبو حيان في البحر (٣ / ٣١٨) ونسبه لعكرمة ، والبغوي في تفسيره (١ / ٤٥٦).
(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٨ / ٥٧٢) (٩٩٩٦) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٣٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن السدي.
(٣) سقط من ب.
(٤) أخرجه ابن جرير (٨ / ٥٧٦) (١٠٠١٣) عن الضحاك ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٣٤) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن الضحاك.
(٥) في أ : ظفر.
(٦) في ب : شيعوه.
(٧) ذكره أبو حيان في البحر (٣ / ٣١٨).