والشفاعة من أعظم ما احتيج إليها ؛ إذ قد جاء القرآن بها ، والآثار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والشفاعة في المعهود من الأمر تكون عند زلات يستوجب بها المقت والعقوبة ؛ فيعفي عن مرتكبها بشفاعة الأخيار وأهل الرضا بهم ، ثم كانت الصغائر منّا لا يجوز التعذيب عليها عند القائلين بالخلود بالكبائر (١) ، والكبائر مما يعفى عنها بالشفاعة ؛ فإذن يبطل عظيم ما جاء من القرآن والآثار في الامتنان ، ويسقط ما جبل عليه أهل العلم بالله وبرحمته ، ويبطل رجاء (٢) المسلمين بشفاعة [الرسل ـ عليهمالسلام ـ](٣) ولا قوة إلا بالله.
وقال بعضهم : الشفاعة تخرج على وجهين :
الأول : على ذكر محاسن أحد عند آخر ؛ ليقرر له عنده المنزلة والرتبة.
والثاني : أن يدعو له ؛ فالأول هو الذي يحتمل توجيه الشفاعة إليه ، والثاني قد بين بقوله : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ...) إلى قوله : (الْعَظِيمُ) [غافر : ٧ ـ ٩] وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] ، والخوف يدل على وجهين : الشفاعة ؛ لأن المرتضى هو ذو منزلة وقدر ، وهو ممن تضمنته آية شفاعة الملائكة ؛ فيقال : الوجه الأول في الآخرة لا معنى له ؛ لوجهين :
أحدهما : أنه في تقرير الأمر عند من يجهله ، والله ـ جل ثناؤه ـ هو العليم بحقيقة ذلك ، بل غيره مما يجوز عليهم خفاء الحقائق ؛ كقوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا ...) الآية [المائدة : ١٠٩] ، وقال عيسى ـ عليهالسلام ـ : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ ...) الآية [المائدة : ١١٧] ؛ وكأن في ذلك أن الحقائق في ذلك عند الله ، وهم تبرءوا عن العلم بذلك ، وأقروا بأن الله هو المنفرد بعلم ذلك ، وبالله التوفيق.
والثاني : أن ثمة كتبا يقرأ فيها أعمال بني آدم وما سبق منهم من صغير وكبير ؛ فهي الكافية في التقدير إن كان في حق الاحتجاج ، وإن كان في حق الإعلام ـ فعلم الله بهم مغن عن ذلك ، ولا قوة إلا بالله.
وأما الدعاء : فكذلك نقول بالدعاء لمن له ذلك الوصف ، ويشفع له فيما كان في ذلك منه من المآثم والذنوب ، لا أنه إذا كان كل أفعالهم ذلك ، فيشفع لهم ؛ لأنه لا يجوز في الحكمة تعذيبهم ، على ما ذكر من الأفعال ، بل لهم عليها أعظم الثواب ، وأرفع المأوى.
__________________
(١) في ب : في الكبائر.
(٢) في ب : دعاء.
(٣) في ب : الله.