وطلب الشفاعة والمغفرة لمثله يصح من وجوه :
أحدها : أن ذلك لا يجوز في الحكمة ؛ فكأنهم طلبوا منه ألا يجور ولا يسفه ، وذلك لأفسق الخلق يخرج مخرج السفيه ، فضلا عن (١) أن يتضرع إلى الله به ، جل الكريم الحليم عن هذا الوصف.
والثاني : أن يخلق في مثله ؛ إذ هو مثاب غير معاقب ، يلقى ذلك منه بالشكر والحمد ، وفي الدعاء كتمان ذلك وكفرانه ، ومحال الإذن في مثله (٢) ، وبالله التوفيق.
والثالث : أن ذلك في الموعود له بالجنة والمبشر بها ؛ فطلب مثله يوجب الجهالة بذلك ، لا أن يكون الوقت لم يبين ، يكون ذلك في الاستعجال ، وهو قولنا في أصحاب الكبائر : إنهم لو عذّبوا بقدر الذنوب ـ لكان ذلك في الحكمة عدلا ؛ فيشفع لسائلهم بالفضل والإحسان دون العدل والاستيفاء (٣) ، ولا قوة إلا بالله.
والأصل : أنها مقادير للعقوبات ، [و] إنما يعرف من يعرف مقادير الأجرام ، وليس من الخلائق [من] يحتمل تركيبه احتمال العلم بمقاديرها ؛ إذ لا أحد يبلغ في معرفة تعظيم الله كنه عظمته ؛ ليعرفوا قدر الخلاف لأمره ـ جل وعلا ـ وما كان هذا سبيله ـ [فحق القول الاتباع](٤) أن الله لا يجزي بالسيئة إلا مثلها.
ثم معلوم أن لا سيئة أعظم من الكفر ، وجعل مثلها من الجزاء : الخلود في النار ، ممن ألزم ذلك لما دونه وصف الله ـ تعالى ـ أنه يجزي بالسيئة أكثر من مثلها ، والله ـ عزوجل ـ أخبرنا أنه لا يجزي ذلك ، [والله أعلم](٥).
وقوله ـ عزوجل أيضا ـ : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً ...) يكون فيما بين المرء والرب : يشفع إليه بالمغفرة لأحد والتجاوز عن المذنب ؛ ليكون له نصيب منها.
ويحتمل : أن يكون الله ـ تعالى ـ برحمته يرحمه على أخيه بالشفاعة إليه ـ بالتجاوز عنه والمغفرة.
ويحتمل : أن يكون الله ـ تعالى ـ إذا غفر له يجعل له في شفيعه شفاعة ؛ يهبه له كما وهب الأول له ، وفي السيئة فيما يلعنه ، أو يدعو الله عليه بالهلاك عن غير استحقاق ، أو عليه في بقائه ضرر يكون له نصيب منها يلعن لآخر ، أو أحدا يلعنه ويدعو عليه به أن يعاقبه
__________________
(١) في ب : من.
(٢) في ب : ذلك.
(٣) في ب : والاستبقاء.
(٤) في ب : فحق القول فيه الاتباع بعدم العلم في الاتباع.
(٥) في ب : والله الموفق.