وأما في قول من قال : إنهم كانوا في أهلهم تكلموا بالإسلام فيها ولم يهاجروا ـ فمعنى هذا : لا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا كما هاجر غيرهم.
وقيل : المهاجرون على طبقات :
منهم : من هاجر ، وأقام ، وسمع ، وأطاع ، وثبت على ذلك.
ومنهم : من هاجر ، ثم خرج من غير إذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلحق بأهله وأبطل هجرته التي هاجر ، وإيمانه الذي آمن.
ومنهم : من تكلم بالإسلام ، وأقام بأهله ، ولم يهاجر ، وبه قوة [على] الهجرة ؛ كان كذلك.
ومنهم : من تكلم بالإسلام ولم يكن له قوة على الهجرة ؛ كانوا مستضعفين ، وهو ـ والله أعلم ـ ما قال الله : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ) الآية. وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : «كنت أنا وأمي من المستضعفين» (١).
والذين آمنوا ولم يهاجروا ولهم قوة الهجرة ما قال الله ـ تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنفال : ٧٢].
وفي قوله ـ تعالى ـ : (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا) ـ يحتمل : من أظهر الموافقة من المنافقين للكفرة ، ولحق بهم.
ويحتمل : من قد آمن ولم يهاجر ؛ فيكون الأول على ولاية الدين ، والثاني : على ولاية الميراث ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنفال : ٧٢].
ومن يتأول الآية على إظهار الكفر دون الخروج من المدينة ـ فمهاجرته تخرج على وجهين :
أحدهما (٢) : أن يكون قد انضم فيها إلى معاني الكفرة فيما يترك صحبتهم.
والثاني : أن يهاجر الأعلام المجعولة لأهل النفاق ، مما يظهر ذلك فيما امتحنوا به من الأفعال ؛ فيظهر خلاف ذلك ؛ كقوله : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [الأحزاب : ٢٤].
وقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا)
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٠٩) (١٠٢٧٠ ، ١٠٢٧١ ، ١٠٢٧٤) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٦٧) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه والطبراني عن ابن عباس.
(٢) في ب : أحدها.