ويحتمل : إنكم لا تقدرون على هداهم إذا لم يهدهم الله ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : ٥٦]
وفي قوله ـ أيضا ـ : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا) قيل : أن يسمّوا (١) مهتدين ، وقد أظهر الله ـ تعالى ـ ضلالهم ؛ صلة لقوله ـ تعالى ـ : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) حذرهم عن الاختلاف في التسمية بعد البيان.
وقيل : أن تجعلوهم مهتدين ، وقد جعلهم ضالين (٢) على نحو قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) الآية [القصص : ٥٦] ، أيّدنا تمام الآية ، وأوضح الأول قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) يقول : من أضله الله عن الهدى فلن تجد له سبيلا يهتدي [به] وقيل : دينا ، وقيل : مخرجا (٣) ، وهو واحد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً)(٤).
قيل : ود [الذين تركوا](٥) الهجرة ، فرجعوا إلى أهلهم ومنازلهم (٦) ، الذين لهم قال الله : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) ـ أن تكفروا كما كفروا ، أي : تتركون الهجرة وترجعون كما رجعوا منهم ؛ فتكونون أنتم وهم سواء ؛ شرعا في الكفر ، فسماهم الله كفارا ، وأمرهم بالبراءة منهم ؛ فقال :
(فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ)
بالهجرة الأولى ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة : ٥١] ، وقال الله ـ تعالى ـ : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١] وكقوله ـ تعالى ـ : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) [آل عمران : ٢٨] نهاهم أن يتخذوا أولياء حتى يهاجروا هجرة ثانية إلى المدينة ، ويثبتون على ذلك.
هذا على قول من قال : إنهم كانوا هاجروا ثم لحقوا بمكة.
__________________
(١) في ب : تستمعوا عن ابن عباس.
(٢) ينظر : ابن جرير (٩ / ١٦) ، البحر المحيط (٣ / ٣٢٧).
(٣) ينظر البحر المحيط (٣ / ٣٢٧).
(٤) قال القاسمي (٥ / ٣٥٠) : الأول : قال الرازي : دلت الآية على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة والإلحاد ، وهذا متأكد بعموم قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١] ، والسبب فيه أن أعز الأشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين لأن ذلك هو الأمر الذي يتقرب به إلى الله ـ تعالى ـ ويتوسل به إلى طلب السعادة في الآخرة ، وإذا كان كذلك ، كانت العداوة الحاصلة بسببه أعظم أنواع العداوة ، وإذا كان كذلك ، امتنع طلب المحبة والولاية في الموضع الذي يكون أعظم موجبات العداوة حاصلا فيه.
(٥) في ب : الذين كفروا لو تركوا.
(٦) أخرجه ابن جرير بمعناه (٩ / ١٧) (١٠٠٦٦) عن ابن عباس.