وكيف لا تسألون رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن حالهم وهو بين أظهركم؟! كقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ...) الآية [النساء : ٥٩] ، وظهور نفاقهم يحتمل الخبر منه نصّا أنهم منافقون.
ويحتمل الظهور بالاستدلال على أفعالهم ، وقد يوقف على حال المرء بفعله أنه كافر أو مؤمن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا)
قال الكسائي : فيه لغتان ؛ [يقال](١) : أركسته في أمر كذا وكذا وركسته ، وارتكس الرجل : إذا وقع فيه ورجع إليه.
وقيل في حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وحفصة ـ رضي الله عنها ـ : «والله ركسهم بما كسبوا».
ثم قيل : أركسهم : أي ردهم (٢).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) قال : أوقعهم (٣).
ثم يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) وجهين :
ما أظهروا بما كان في قلوبهم من النفاق والخلاف لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [البقرة : ٢٢٥].
ويحتمل : ابتداء كسب كسبوا بعد ما أسلموا ، أي : كفروا وارتدوا عن الإسلام بعد ما صح إسلامهم.
وفي إضافة ارتكاسهم إلى الله دلالة خلق فعلهم وحرمان أمر يملكه ، والله أعلم بما كسبوا من إحداث شرك ، أو بكسبهم بالقلوب وقت إظهارهم الإيمان في أن ظهر عليهم بلحوقهم إخوانهم من الكفرة ، أو لما جعل الله من أعلام النفاق التي ظهرت بغرض الجهاد والعبادات ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ).
تأويله ـ والله أعلم ـ : أتريدون أن تهدوا وقد أراد الله أن يضلّوا ؛ لما علم الله منهم أنهم لا يهتدون ؛ باختيارهم الكفر.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٥) (١٠٠٦١) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر ٢ / ٣٤٢ وزاد نسبته لابن المنذر من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس.
(٣) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٥) (١٠٠٦٢) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٢) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة.