اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)(٨٩)
قوله تعالى : وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ).
اختلف في قصة الآية : قيل : إن ناسا من [أهل](١) مكة قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، فأسلموا ، وأقاموا بها ما شاء الله أن يقيموا ، ثم ندموا على الهجرة والإقامة فيها ، وأرادوا الرجعة إلى مكة واجتووا المدنية ؛ فخرجوا يتحولون منقلة منقلة ، حتى تباعدوا من المدينة ، فلحقوا بمكة ، فكتبوا كتابا ، ثم بعثوا به مع رسول من قبلهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقدم به الرسول عليه بالمدينة ، فإذا فيه : «إنا على الذي فارقناك عليه من التصديق بالله وبرسوله ، اشتقنا إلى أرضنا ، واجتوينا المدينة». ثم إنهم خرجوا من مكة متوجهين إلى الشام للتجارة ، فبلغ ذلك المسلمين وهم عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فقال بعضهم لبعض : فما يمنعنا أن نخرج إلى هؤلاء الذين رغبوا عن ديننا ، وتركوا هجرتنا ، فنقتلهم ونأخذ ما معهم؟! فقال فريق منهم : كيف تقتلون قوما على دينكم؟! ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ساكت لا ينهي واحدا من الفريقين ؛ حتى نزل قوله ـ تعالى ـ : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ)(٢) : يبين الله ـ عزوجل ـ لرسوله أمرهم وما صاروا إليه.
وقيل : تخلّف رجال عن أحد ، فكان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيهم فئتين : فرقة تقول : [اعف عنهم ، وفرقة تقول : نقتلهم](٣) ؛ فنزلت الآية : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ)(٤).
وقيل : إن قوما كانوا يتحدثون ، فاختصموا في أهل مكة : فقال بعضهم : إنهم كفار ، وقال آخرون : إنهم قد أكلوا ذبائحكم ، وصلوا صلاتكم ، وأجابوا دعوتكم ؛ فهم معكم ، وقال غيرهم : تركوا النبي صلىاللهعليهوسلم وتخلفوا عنه. فأكثروا في ذلك ؛ فنزل قوله ـ تعالى ـ : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ...) الآية ، فلا ندري كيف كانت القصة ، ولكن فيه النهي عن الاختلاف والتنازع بينهم ؛ كأنه قال ـ والله أعلم ـ : كيف تختلفون في قوم ظهر نفاقهم؟
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٠) (١٠٠٥٤) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٣) بدل ما بين المعقوفين في ب : اقتلهم ، وفرقة تقول : اعف عنهم.
(٤) أخرجه ابن جرير (٩ / ٨) (١٠٠٤٩ ـ ١٠٠٥١) عن زيد بن ثابت ، وذكره السيوطي في الدر ٢ / ٣٤٠ وعزاه للطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن زيد بن ثابت.