ولم يوجب النبي صلىاللهعليهوسلم على التي ضربت ضرتها به فقتلتها القصاص ؛ فذلك حجة لأبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ في قوله : إن الخشبة العظيمة والصغيرة سواء ، ولا قصاص فيه ، والأخبار فيه كثيرة.
وقوله ـ عزوجل أيضا ـ : (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) ذكر ـ والله أعلم ـ مسلمة إلى أهله ؛ على الحث والترغيب في التسليم ، والنهي عن التعاسر الذي عنه توهم حدوث الشر والفساد الذي يوقع مثله جعل العوض في قتل الخطأ ، وعلى ذلك قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) [البقرة : ١٧٨] ، وقد بينا من يسلم ، ثم بين التسليم إلى أهل القتيل ، ولم يبين من أهله؟ وقد أجمع السلف على أن أهله : ورثته ، والأصل في ذلك : أن الدية جعلت بدلا لنفس القتيل ؛ فتصير متروكة عنه ، وعلى ذلك لو كانت منه الوصايا أو عليه دين ينفذ منها ، فصارت فيما قال الله ـ تعالى ـ : (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ ...) [النساء : ٧] الآيات التي فيها بيان من يرث من بعد الوصية والدين ، فذلك لهم ؛ فيصير أهله بعد وفاته من ينتفع بتركته ؛ إذ (١) كذلك وصف الأهل في الحياة أنه يرجع إلى المتصلين به ، وبمنافعه مع ما كان اسم الأهل في الزوجة غير ممتنع استعماله على كل حال ؛ فيجب دخولها في ذلك ، وغيرها من الورثة أحق ، وقد روي في مثل ذلك مرفوعا في توريث امرأة أشيم الضّبابي (٢) ، وعمل به عمر بحضرة الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ والذين لهم سائر الولايات سوى ولاية الميراث مع ولاية الميراث أحق ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) فالثنيا من الدّية (٣) ؛ لأنه لا حق لأحد في العتق حتى يحتمل التصدق ، وهو كقوله ـ تعالى ـ في القصاص : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) [المائدة : ٤٥] ، وذكر التصدق على ما عليه الترغيب في الديون من قوله : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢٨٠].
ثم الأصل : أن التصدق من المعروف إلى ذوي الحاجات ، والعقل إنما وضع أصله على الأغنياء ، لكن يخرج على وجهين :
أحدهما : أن الآية جاءت بذكر القاتل ، ووجود الدية المسلمة كلها (٤) لكل قاتل عسير ؛ فكان الترغيب على ذلك.
__________________
(١) في ب : و.
(٢) تقدم.
(٣) في أ : الولاية.
(٤) في أ : محلها.