إذ الذي له حكم العمد والخطأ لا يظهر لغيره.
والثاني : وكان الله لم يزل عليما بالذي يكون من عباده ، وبالذي به المصالح بينهم ؛ فحكم بما فيه المصالح ، فيما علم من وقوع الجنايات.
والثالث : يبين أنه لا عن جهل يقع الخلاف لأمره ولما [لم](١) يرض به من خلقه ، ولا عن خطأ في التدبير ، أي : عليم بالذي يكون من الخلق ، لا عن جهل بهم خرج أمرهم ، وحكيم في التدبير ، أي : لا يلحقه الخطأ في تدبير الخلائق ، على ما يكون منهم من الفساد والشر ؛ إذ بمثله من غيره يعلم الخطأ والجهل ؛ لما في ذلك ضرر يقع به ، والله يتعالى عن هذا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ...) الآية [النساء : ٩٣]. قيل في بعض القصة : إن رجلا قتل آخر عمدا ؛ فلما علم أنه يقتل به ارتد عن الإسلام ، ولحق بدار الحرب ؛ فنزل الوعيد.
وهذا ـ والله أعلم ـ كقوله تعالى : (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) [فصلت : ٧] : كانوا يمنعون الزكاة لما كان عندهم أن الزكاة تنقص المال ؛ فجحدوا بها رأسا ، وكقوله : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) [المدثر : ٤٣ ـ ٤٦] فتركوا الزكاة والصلاة ؛ لما يلحقهم بذلك مؤن وأشغال ، يشغلهم ذلك كله عما تهوى أنفسهم ؛ فأنكروا رأسا ؛ لأنهم إن صلوا وأدوا الزكاة [لا](٢) يكون ذلك صلاة وزكاة ؛ إذ كانوا يكذبون بيوم الدين ؛ فعلى ذلك قاتل المسلم عمدا إذا علم أنه مقتول به ترك دينه ؛ فصار من أهل النار خالدا مخلدا فيها.
ويحتمل قوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) لدينه يقتله عمدا ، غير غالط فيه ولا جاهل ، عالما بذلك ، وإلى قتله لدينه قاصدا ، ومن كان هذه صفته فقد كفر ، ووجب له هذا الوعيد الذي ذكره في كتابه الكريم ، إلا أن يجدد إيمانا ؛ فإن الله ـ تعالى ـ يقبل إيمانه وتوبته.
والرابع : أن يكون [الوعيد الذي ذكره في كتابه](٣) ذلك جزاء ، ولله الإفضال عليه بالعفو والمجاوزة (٤) ؛ إذ ذلك جزاؤه إن لم يكن له حسنات يقابل به ، فأما إذا كانت له
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) سقط من ب.
(٣) سقط من ب.
(٤) في ب : والمجازاة.