حسنات يقابل به ، يبدل الله بفضله ـ سيئاته حسنات ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٧٠].
ثم الدليل أن الآية فيمن قتل مسلما لدينه ، قاصدا لنفسه دون دينه ـ قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [البقرة : ١٧٨] وإنما يكتب عليهم إذا كان القتل قتل عمد ، وأبقى لهم بعد القتل اسم الإيمان ، ثم قال : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) [البقرة : ١٧٨] ؛ فأبقى لهم اسم الإخوة ، ثم قال : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) [البقرة : ١٧٨] : أطمعه في رحمته ـ عزوجل ـ وبعيد أن يكون له مع هذا خلود في النار ؛ فدلت الآية على بقاء اسم الإيمان ، وعلى رجاء الرحمة ، وهما معنيان ينقصان قول المعتزلة ؛ حيث خلدوا صاحب الكبيرة في النار ، ولأنه ـ تعالى ـ قال : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) ولم يقل : يجزيه ، وله أن يتفضل بالعفو عنه ، على ما وصفنا ، وبالله التوفيق (١) والنجاة.
وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في تأويل الآية ما يؤيد ما قلنا : روي عنه أنه قال في قوله : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) ، قال : هي جزاؤه ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعا وتسعين نفسا ، فسأل عن أعلم أهل الأرض؟ فدلّ على راهب ؛ فأتاه فقال : إنّي قتلت تسعة وتسعين نفسا بغير حقّ ؛ فهل لي من توبة؟ فقال : لا. فقتله ، ثمّ سأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على رجل ، فأتاه فقال : إنّي قتلت مائة نفس بغير حقّ ؛ فهل لي من توبة؟ قال : نعم ، ومن يحول بينك وبين التّوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا ؛ فإنّ فيها أناسا يعبدون الله فاعبده معهم ؛ فانطلق ، حتّى إذا بلغ نصف الطّريق أتاه الموت ، فاختصم ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب ، فأتاهم ملك ، فجعلوه حكما بينهم ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين ، أيّهما كان أدنى وأقرب فهو له ؛ فقاسوه فوجدوه أدنى للأرض (٢) الّتي أراد ؛ فقبضته (٣) ملائكة الرّحمة» (٤).
__________________
(١) في ب : المعونة.
(٢) في ب : إلى الأرض.
(٣) في ب : فقبضه.
(٤) أخرجه البخاري (٦ / ٥١٢) كتاب أحاديث الأنبياء : باب (٥٤) ، رقم (٣٤٧٠) ، ومسلم (٤ / ٢١١٩) كتاب التوبة : باب قبول توبة القاتل ، رقم (٤٧ ـ ٢٧٦٦) ، وأحمد (٢٠١٣ ، ٧٢) ، وابن ماجه (٤ / ٢١٥ ، ٢١٧) كتاب الديات : باب هل لقاتل مؤمن توبة؟ رقم (٢٦٢٢) ، وأبو يعلى في مسنده رقم (١٠٣٣) ، وابن حبان في صحيحه رقم (٦١١ ، ٦١٢).