فلا ندري كيفما كانت القصة؟ ولكن فيه الأمر بالتثبت عند الشبهة ، والنهي عن الإقدام عندها ، وهكذا الواجب على المؤمن الوقف عند اعتراض الشبهة في كل فعل وكل خبر ؛ لأن الله ـ تعالى ـ أمر بالتثبت في الأفعال بقوله : (فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) ، وقال في الخبر : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات : ٦] أمر بالتثبت في الأخبار عند الشبهة ، كما أمر في الأفعال لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء : ٣٦].
وفي الآية دليل فساد قول المعتزلة ؛ لأنه نهاهم أن يقولوا [لمن قال](١) : إني مسلم (٢) : لست مؤمنا ، وهم يقولون : صاحب الكبيرة ليس بمؤمن ، وهو يقول ألف مرة على المثل : إني مسلم ، فإذا نهى أن يقولوا : ليس بمؤمن ؛ أمرهم أن يقولوا : هو مؤمن ؛ فيقال لهم : (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) [البقرة : ١٤٠] على ما قيل لأولئك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا)
قيل : الغنيمة : (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) هذا يحتمل وجهين :
يحتمل قوله : (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) أي : أجر عظيم وجزاء كثير.
ويحتمل : (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) يعطيها لكم في غير هذا ، كقوله ـ تعالى ـ (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها ...) الآية [الفتح : ٢٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ ...) الآية.
اختلف فيه :
قيل : (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) ضلالا كفارا ؛ (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) بالإسلام والهجرة ، وهداكم به.
وقيل : (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) تخفون إيمانكم من (٣) المشركين وتكتمونه ؛ (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) بإظهار الإسلام وإبدائه.
وقيل : (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) تأمنون في قومكم من المؤمنين ب «لا إله إلا الله» ، ولا تخيفوا من قالها ؛ (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) بالهجرة.
وعن ابن عباس قال : (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) كفارا تقاتلون على الدنيا
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : مؤمن.
(٣) في ب : في.