فكفروا بترك الهجرة (١) ، وهو كقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) [الأنفال : ٧٢] فلا ندري كيف كانت القصة ، وليس لنا إلى معرفة القصة؟ حاجة بعد أن يعرف ما أصابهم بما ذا أصابهم؟.
وقوله : (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ)
هذا يتوجه وجوها :
أحدها : مع من كنتم : مع محمد صلىاللهعليهوسلم كنتم وأصحابه أو مع أعدائهم؟
والثاني : (فِيمَ كُنْتُمْ) أي : في دين من كنتم : في دين محمد صلىاللهعليهوسلم أو في دين أعدائه؟
والثالث : «قالوا» بمعنى : «يقولون» أي : يقولون لهم في الآخرة : (فِيمَ كُنْتُمْ)؟ (قالُوا) : كنا كذا.
وقولهم : (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) : هذا ليس جوابا لقوله : (فِيمَ كُنْتُمْ) ؛ جوابه أن يقال : كنا في كذا ، ولكنه كأنه على الإضمار ، قالوا لهم : ما الذي منعكم عن الخروج والهجرة إلى محمد ، صلىاللهعليهوسلم؟ قالوا عند ذلك : (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) : اعتذروا ؛ أن كانوا مستضعفين في الأرض.
وظاهر هذا : أن منعنا عن الخروج إلى الهجرة ، و (٢) حال المشركون بيننا وبين إظهار الإسلام. فقالوا : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها)
يعني : المدينة واسعة ، آمنة لكم من العدو ، فتخرجوا إليها ، فتقلبوا بين أظهرهم ، فهذا ـ والله أعلم ـ كأنهم اعتذروا في التخلف عن ذلك ؛ لما كانوا يتقلبون بين أظهر الكفرة ويتعيشون فيهم ، فقالوا : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) قطعوا عليهم.
ويحتمل وجها آخر : وهو أنهم إن منعوكم عن الإسلام ظاهرا و (٣) حالوا بينكم وبين إظهاره ؛ ألستم تقدرون على ادّيان الإسلام سرّا ، لا يعلمون هم بذلك؟!
(فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً).
أخبر أن لا عذر لهم في ذلك.
وفي قوله ـ تعالى ـ : (فِيمَ كُنْتُمْ) دلالة إحياء الموتى في القبر والسؤال فيه عما عملوا في الدنيا والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ ...) الآية.
__________________
(١) عزاه السيوطي في الدر (٢ / ٣٦٦) للطبراني عن ابن عباس.
(٢) في ب : أو.
(٣) في ب : أو.