فضيلته عليه بدرجات.
لكن قوله : «درجة» ، و «درجات» عندنا : واحد ؛ ألا ترى أنه ـ تعالى ـ قال : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة : ٢٢٨] ليس هو شيئا واحدا ؛ ولكنه أشياء ، والذي قعد لعذر يستوى في الأجر مع الذي خرج ؛ إذا كان يتمنى أن يخرج إن قدر ؛ لأنه لو لم يكن كذلك لكان لا معنى للاستثناء.
وفي الآية دلالة أن فرض الجهاد ـ فرض كفاية : يسقط عن الباقين بقيام بعضهم ، وإن كان الخطاب يعمهم في ذلك ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) [التوبة : ١٢٢] ، وفرض الخروج لطلب العلم فرض كفاية : إذا خرج بعضهم لطلبه يسقط عن الباقين ذلك ؛ فعلى ذلك فرض الجهاد ، وإن كان ذلك خلاف ما عاتب الله ـ تعالى ـ عليه الثلاثة الذين خلفوا في سورة «براءة» ؛ لأن أولئك تخلفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد قال الله ـ تعالى ـ (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) [التوبة : ١٢٠] ؛ فإنما عاتب أولئك لتخلفهم عن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) [النساء : ٩٧]
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : نزلت [هذه] الآية في قوم من المنافقين خرجوا مع (١) المشركين إلى بدر ، فلما التقى المسلمون والمشركون ، أبصروا قلة المسلمين ـ وهم مع المشركين على المؤمنين ، فقالوا : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) [الأنفال : ٤٩]. وأظهروا النفاق ، فقتلوا ، عامتهم ؛ ضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، فقالت لهم الملائكة : (فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ)(٢)
وقيل : إنها نزلت في نفر أسلموا بمكة مع [رسول الله](٣) صلىاللهعليهوسلم ثم أقاموا عن الهجرة ، وخرجوا مع المشركين إلى القتال ، فلما رأوا قلة المؤمنين شكّوا في النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) [الأنفال : ٤٩] ، فقتلوا ، فقالت الملائكة : فيم كنتم؟ قالوا : كذا (٤).
وقيل : نزلت في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا ، وكانت الهجرة يومئذ مفترضة ؛
__________________
(١) في ب : من.
(٢) أخرجه ابن جرير في التفسير (٩ / ١٠٢ ، ١٠٣) ، رقم (١٠٢٦٠) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٣٦٥) ، وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس.
(٣) في ب : النبي.
(٤) أخرجه ابن جرير في التفسير (٩ / ١٠٢) رقم (١٠٢٥٩) عن عكرمة ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٣٦٥).