وجل : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ...) الآية [التوبة : ٩١] ، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم ، وأزالوا الحرج عمن كان في مثل حال هؤلاء الذين وصفهم الله ـ تعالى ـ وعذرهم في تخلفهم عن الجهاد.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : لما ذكر الله ـ تعالى ـ فضيلة المجاهدين على القاعدين رغبهم (١) في الجهاد بقوله : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ...) الآية ـ أتاه عبد الله بن أم مكتوم الأعمى ، فقال : يا رسول الله ، ذكر الله فضيلة المجاهدين على القاعدين ، وحالنا ما ترى ، ونحن نشتهي الجهاد ؛ فنزل : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) فجعل لهم من الأجر ما للمجاهدين ؛ لزمانتهم. وعلى ذلك أكثر أهل التفسير (٢).
وقال الكسائي : (الضَّرَرِ) مصدر الضرير والمضرور ، والضرير : الأعمى ، يقال : ضرّ بصره ، فهو ضرير ومضرور : إذا عمي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى)
القاعد والمجاهد
(وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)
قيل : هذا الفضل للمجاهد على القاعد الذي قعد لا لعذر [، جعل له الأجر العظيم.
وقوله : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً)(٣)
على القاعد الذي قعد لعذر ؛](٤) لأنه جعل فضيلته عليه بدرجة ، وفي الثاني جعل
__________________
(١) في ب : رحبهم.
(٢) أخرجه الطبري في التفسير بهذا السياق (٩٢١٩) رقم (١٠٢٤٢) ، ورواه البخاري (٩ / ١٣٥ ، ١٣٦) كتاب التفسير : باب لا يستوى القاعدون من المؤمنين ... ، رقم (٤٥٩٢) ، والترمذي (٥ / ١٢٥ ، ١٢٦) كتاب التفسير : باب ومن سورة النساء ، رقم (٣٠٢٣) ، والنسائي (٢ / ٥٤) ، (٦ / ٩) ، وأحمد (٥ / ١٨٤) ، والطبري في التفسير (٩١١٩) رقم (١٢٤٠) ، عن زيد بن ثابت.
(٣) قال القاسمي (٥ / ٣٩٧) : الأولى : دلت الآية على أن الجهاد ليس بفرض عين ؛ إذ لو كان فرضا من فروض الأعيان لم يكن للقاعد فضل ، ولكن تفاوت الفضل بينه وبين المجاهد ، وقال : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [الحديد : ١٠].
الثانية : دلت أيضا على أن الجهاد أفضل من القرب التي يفعلها القاعد ، لأنه فضله على القاعد مطلقا ، ويؤيد هذا قوله صلىاللهعليهوسلم : «الجهاد سنام الدين» ، وقد فرع العلماء على هذا أن رجلا لو وقف ماله على أحسن وجوه البر ، أو أوصى أن يصرف في أحسن وجوه البر ، فإنه يصرف في الجهاد ، خلاف ما ذكره أبو عليّ أنه يصرف في طلب العلم ، كذا في بعض التفاسير.
الثالث : قال السيوطي في الإكليل : في الآية تفضيل المجاهدين على غيرهم ، وأن المعذورين في درجة المجاهدين ، واستدل بقوله (بِأَمْوالِهِمْ) [النساء : ٩٥] على تفضيل المجاهد بمال نفسه على المجاهد بمال يعطاه من الديون أو نحوه.
(٤) ما بين المعقوفين سقط من ب.