ويحتمل قوله : (بِالْحَقِ) ، أي : بالمحنة يمتحنهم بها ؛ إذ في عقل كل أحد ذلك ، وإهمال كل ذى لبّ لا يؤمر ولا ينهى ـ خروج عن الحكمة.
أو أن يقال : (بِالْحَقِ) أي : بالعواقب ؛ لتكون لهم العاقبة.
وقوله ـ تعالى ـ : (بِالْحَقِ) أي : بالحق الذي لله ، أو لبعض على بعض ، أو لأمر كانت ، وهو البعث ؛ ليعدّ له ، ويتزودوا بالذي (١) يحمد عليه فاعله ؛ إذ الحق صفة لكل ما يحمد عليه فاعله ، والباطل لما يذم.
وقد يحتمل بالعدل والصدق على الأمر من التغيير والتبديل ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ).
قيل : إن في الآية دلالة جواز الاجتهاد (٢) ؛ لأنه قال : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) ؛ دل قوله (بِما أَراكَ اللهُ) أن ثمة معنى يدرك بالنظر والتأمل ؛ لأنه لو كان يحكم بالكل بالكتاب ، لكان لا معنى لقوله : (بِما أَراكَ اللهُ)
ولكن يقول له : لتحكم بين الناس بالكتاب ؛ دل أنه يحكم بما يريه الله بالتدبر فيه والتأمل ، لكن اجتهاده كالنص ؛ لأنه لا يخطئه ؛ لأنه أخبر أنه يريه ذلك ؛ فلا يحتمل أن يريه غير الصواب ، وأما غيره من المجتهدين فيجوز أن يكون صوابا ، ويجوز أن يكون خطأ ؛ لأنه لا ينكر أن يكون الشيطان هو الذي أراه ذلك فيكون خطأ ؛ فلا يجوز أن يشهد عليه بالصواب ما لم يظهر ، وأما اجتهاده صلىاللهعليهوسلم فهو كله يكون صوابا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ هو الذي أراه ذلك ؛ فنشهد أنه صواب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) قال أكثر أهل التفسير : إنه همّ أن يقوّى سارقا ـ يقال له : طعمة ـ ويصدقه في قوله ؛ فنزل قوله : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) ؛ فلو لم يقولوا ذلك كان أوفق وأحسن ، فإن كان ما قالوا ، فذلك لم (٣) يظهر منه الخيانة عنده ؛ إذ ذكر في القصة أنه وجد السرقة في دار غيره. فلئن كان ذلك إنما كان لما ذكرنا.
وأما النهي عن أن يكون للخائنين خصيما : نهي وإن كان يعلم أنه لا يكون لما عصمه الله ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤] ، (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [الأنعام : ١١٤] ، إن كان عصمه من أن يكون منهم ، والعصمة إنما تنفع إذا كان
__________________
(١) في ب : وبالذي.
(٢) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٣٥٨).
(٣) في ب : لما.