بالذي سبق ذكره ، وقالوا : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) لقد هم قوم طعمة (أَنْ يُضِلُّوكَ) ، أي : يخطئوك ، وليس هو الإضلال في الدين ، ولكن إن كان كما قالوا فهو تخطئة الحكم.
ويحتمل قوله : (أَنْ يُضِلُّوكَ) ، أي : يجهلوك في حكم السرقة.
ويجوز أن يكون جاهلا في سرقته ؛ لمّا لم يدر أنه سرق ، وكان يصدقه في الحكم أنه لم يسرق ؛ لأنه إنما كان يعلم الأشياء بالوحي ، ثم أعلم أنه قد سرق.
ويحتمل : أن تكون الآية في الكفار كلهم ؛ لأن الكفرة والمنافقين لم يزل كانوا يريدون أن يضلوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الهدى ، ويصرفوه (١) عنه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) [النساء : ٨٩] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً) [البقرة : ١٠٩]
ثم يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) ؛ حيث عصمك بالنبوة ؛ وإلا لأضلوك عن سبيل الله : الهدى ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) [الإسراء : ٧٤] أي : بالعصمة ، (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً).
والثاني : ولو لا فضل الله عليك ورحمته ؛ حيث أعلمك بالحكم في ذلك ، وبصّرك به بالوحي ، وصرفك عن تصديق ذلك الخائن ، إن (٢) ثبت ما قالوا ؛ وإلا لهموا أن يخطئوك ويجهلوك فيه.
ثم في الآية نقض قول المعتزلة ؛ لأنه منّ على رسوله صلىاللهعليهوسلم أنه عصمه ، وهم يقولون : كان عليه أن يعصمه ، وهو كان يستحق ذلك قبله. فلو كان عليه ذلك لم يكن للامتنان عليه بذلك معنى ؛ إذ فعل ما كان عليه أن يفعل ؛ على زعمهم ، ومن فعل فعلا عليه ذلك ـ لم يقل إنه تفضّل ؛ دل أنه ليس كما قالوا ، وبالله التوفيق والعصمة.
وقوله ـ أيضا ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) يخرج على وجهين :
أحدهما : يكفهم عما هموا.
والثاني : يعصمه (٣) عما راموا فيه أن يظفروا منه بعد أن أظهروا ما طلبوا.
وقوله : (يُضِلُّوكَ) : يجهلوك الحكم بالتلبيس وأنواع التمويه يرجع ذلك إلى نازلة.
__________________
(١) في ب : يصرفوا.
(٢) في أ : أو.
(٣) في ب : بعصمته.