قيل : النجوى : القوم (١) ؛ كقوله : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) [الإسراء : ٤٧] ، أي : رجال.
وقيل : النجوى : هي (٢) الإسرار (٣) ؛ كقوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ ...) الآية [المجادلة : ٧].
ثم استثنى : (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ ...) الآية.
فإن كان التأويل من النجوى هو فعل النجوى خاصة ؛ فكأنه قال : لا خير في كثير من نجواهم إلا الأمر بالصدقة ، والأمر بالمعروف ، و (٤) الإصلاح بين الناس. وإن كان تأويل النجوى هو القوم ، فكأنه قال : والله أعلم : «لا خير في كثير منهم إلى من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس» وكان هذا أقرب.
ومعنى الثنيا من الكثير فيما يرجع إلى القوم ؛ فكأنه قال : لا خير في كثير منهم إلا من يرجع أمره إلى ما ذكر ؛ فيصير إلى خير.
وقد يحتمل : أن قوما منهم يرجع نجواهم إلى خير ، وهم أقلهم ، ومن الفعل ، على أن الفعل ربما يكون فعل خير ، وإن كانوا أهل النفاق و (٥) الكفر ، لكن بين أنه غير مقبول إلا أن يبتغي به مرضاة الله ، وذلك لا يكون إلا أن يؤمنوا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)
قيل : لما تبين خيانته لرسول الله صلىاللهعليهوسلم استحيا أن يقيم بالمدينة ؛ فارتد ، ولحق بمكة كافرا (٦) ؛ فنزل قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) يقول : يخالف الرسول : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) ، يقول : من بعد ما كان كافرا تبين له الإسلام وأسلم.
وقال : لما أبان أمر طعمة ، وعلم أنه سرق الدرع ـ أنزل الله ـ تعالى ـ : (وَالسَّارِقُ
__________________
(١) ذكره أبو حيان في البحر (٣ / ٣٦٤) ، وبنحوه ذكره ابن عادل في اللباب (٧ / ١٥).
(٢) في ب : هو.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره (١ / ٤٧٩) ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٣٦٤) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ١٥).
(٤) في ب : أو.
(٥) في ب : أو.
(٦) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٨٥ ـ ١٨٩): (١٠٤١٥) عن السدي ، (١٠٤١٦) عن عكرمة ، (١٠٤١٧) عن الضحاك ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦) ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن السدي ، وابن المنذر عن عكرمة.