محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم ، [وعلى آل إبراهيم (١)](٢). قيل : خص هو بهذين الوجهين اللذين ذكرتهما في الخلة.
وقيل : إنه اتخذه خليلا ؛ لأنه كان يعطي ولا يأخذ (٣) ، وكان يحب الضيف ، وكان لا يأكل وحده وإن بقي طويلا ، والله أعلم بذلك.
وأصل الخلة ما ذكرنا من الكرامة والمنزلة ؛ لأن من يحب آخر يبره ويكرمه ، ومن لا يحبه يعاده ، ويظهر له الجفاء ، ولا قوة إلا بالله.
واختلف في المعنى الذي وصف إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بالخلة أنه خليل الله :
فقد قيل : بما سخت نفسه في بذل كل لذة من لذات الدنيا لله ، وله تبوّأ في مكان إتيان الأضياف وأبناء السبيل ، وكان لا يأكل وحده ، وكانت عادته التقديم بكل ما يتهيأ له عند نزول الأضياف عليه ، والابتداء بذلك قبل كل أمر ، والقيام للأضياف (٤) مع عظم منزلته ؛ أيد ذلك أمر الملائكة الذين جاءوه بالبشارة ، والله أعلم.
وقيل : إنما امتحنه الله بأمور فصبر عليها ؛ نحو النار ألقى فيها لله ، وذبح الولد ، والهجرة مرتين ، وبذل الأهل والولد لله ، حيث لا ضرع ، ولا زرع ، ولا ماء ، وغير ذلك مما أكرمه الله ـ تعالى ـ بالثناء عليه : بوفاء ما امتحن ، وإتمام ما ابتلى من قوله : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم : ٣٧] ، وفي قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) [البقرة : ١٢٤].
ويحاج فرعونه وجميع قومه ، ويجادلهم فيمن يعبدونهم ، فغلبهم ، وألزمهم حجة الله ، وغير ذلك من وجوه المحن.
وقيل : بما به كان بدء البيت الذي جعله الله قياما للناس ، ومأمنا للخلق ، ومثابا لهم ومنسكا ؛ فعظم شأنه فيما بالخلق إليه حاجته في أمر الدين ؛ وعلى ذلك أكرمه الله ـ تعالى ـ بميل القلوب إليه ، وإظهار التدين بدينه من جميع أصناف أهل الأديان ، والله
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٨ / ٥٣٩٢) كتاب التفسير : باب (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ...) الآية [الأحزاب : ٥٦] ، ومسلم (١ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦) ، كتاب الصلاة : باب الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم بعد التشهد (٦٦ / ٤٠٦) ، وأبو داود (١ / ٢٥٧) كتاب الصلاة باب الصلاة : على النبي صلىاللهعليهوسلم (٩٧٦) ، والترمذي (٢ / ٣٥٢) أبواب الصلاة : باب ما جاء في صفة الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم (٤٨٣) ، والنسائي (٣ / ٤٧ ـ ٤٨) ، وابن ماجه (١ / ٢٩٢ ـ ٣٩٣) ، كتاب إقامة الصلاة : باب الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم (٩٠٤).
(٢) سقط من ب.
(٣) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤٠٧) وعزاه لابن المنذر عن ابن أبزى وللديلمي بسند واه عن أبي هريرة ، مرفوعا.
(٤) في ب : بالأضياف.