وأما السنن والشرائع فيجوز أن تخلف ؛ ألا ترى أنه روى في الخبر : «ملة رسول الله صلىاللهعليهوسلم» (١) ، وفي بعضها : «سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم» : جعل السنة تفسير الملة ؛ فالملة بالسنة أشبه.
ثم خص ملة إبراهيم صلىاللهعليهوسلم لأن سننه كانت توافق سنن نبينا [محمد](٢) صلىاللهعليهوسلم والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَنِيفاً) قيل : مخلصا (٣).
وقيل : سمى حنيفا ، أي : مائلا إلى الحق ؛ ولذلك سمي الأحنف : أحنفا ؛ لميل أحد قدميه إلى الأخرى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)
ذكر في بعض الأخبار أن الله ـ عزوجل ـ أوحى إلى إبراهيم صلىاللهعليهوسلم : أن لي خليلا في الأرض ؛ فقال : يا رب ، من هو؟ قال : فأوحى الله ـ تعالى ـ إليه : لم؟ أي : لم تسألنى عنه؟ قال : حتى أحبه و (٤) أتخذه خليلا كما اتخذته خليلا ، أو كلام نحو هذا ؛ فقال : أنت يا إبراهيم.
وأصل الخلة : المنزلة ، والرفعة ، والكرامة ، يقول : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) ، أي : جعل له عنده منزلة وكرامة لم يجعل مثلها لأحد من الخلائق ؛ لما ابتلاه الله ببلايا ، وامتحنه بمحن لم يبتل أحدا بمثلها ، فصبر عليها ، من ذلك : ما ألقى في النار ، فصبر ، ولم يستعن بأحد سواه ، وما ابتلى بذبح ولده ، فأضجعه ، وما أمر أن يترك أهله وولده الطفل في جبال مكة : لا ماء هنالك ، ولا زرع ، ولا نبات ؛ ففعل ، ومن ذلك أمر المهاجرة ... مما يكثر ذلك ؛ فجائز تخصيصه بالخلة لذلك ، والله أعلم.
وجائز أن يكون ذلك كرامة [أكرمه](٥) الله بها ؛ لأن أهل الأديان كلهم ينتسبون إليه ، ويدّعون أنهم على دينه ، وعلى ذلك يخرج قوله : «اللهمّ صلّ على محمّد ، وعلى آل
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند (٢ / ٥٩) ، وابن حبان كما في الزوائد (٣ / ٤٧ ـ ٤٨) (٧٧٢ ـ ٧٧٣) ، وهو في الإحسان (٥ / ٤٣) (٣٠٩٩) (٣١٠٠) ، وأبو يعلى في المسند (١٠ / ١٢٩ ـ ١٣٠) (٥٧٥٥) ، وابن أبي شيبة (٣ / ٣٢٩) باب : ما قالوا إذا وضع الميت في قبره ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (١٠٨٨) ، والبيهقي في الجنائز (٤ / ٥٥) ، باب ما يقال إذا دخل الميت قبره ، وصححه الحاكم (١ / ٣٦٦) ، ووافقه الذهبي ، جميعا عن ابن عمر ، مرفوعا.
(٢) سقط من ب.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره (١ / ٤٨٤) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ٣٧).
(٤) في ب : أو.
(٥) سقط من ب.