يحتمل من أحسن دينا من المسلمين ممن يعمل جميع عمله موافقا لدينه ـ ممن لم يعمل؟! بل الذي عمل بجميع عمله موافقا لدينه ـ أحسن دينا من الذي لم يعمل شيئا ، [وهو](١) كما روي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم [أنه](٢) قال : «لو وزن إيمان أبي بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ بإيمان جميع أمتى ، لرجح إيمانه» (٣) وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قوى في دينه ، ضعيف في بدنه» ؛ ألا ترى أنه خرج لمقاتلة أهل الردة وحده؟! وذلك لقوته في الدين وصلابته فيه ، لا لزيادة الإيمان ، ولا لنقصان إيمان في غيره ، والله أعلم.
والثاني : مقابلة سائر الأديان ، أي : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ـ ممن لم يسلم وجهه لله ... إلى آخر ما ذكر ، والله أعلم.
ثم قوله ـ تعالى ـ : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) ، عن الحسن قال : أسلم جميع جهة أمره إلى الله ، أي : جميع ما يعمل إنما يعمل لله ، لا يعمل لغير الله.
وقيل : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) ، أي : أخلص نفسه لله (٤) ، ولا يجعل لأحد فيها شركا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) [الزمر : ٢٩] الآية ، أي : يسلم نفسه له ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) ـ يحتمل وجهين :
يحتمل : قوله : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) : يحسن ما يعمل ، أي : جميع ما يعمل ؛ لعلم له فيه.
ويحتمل قوله : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) : من الإحسان ، وهو أن يزيد العمل على المفروض عليه : يؤدي المفروض عليه ، ويزيد على ذلك أيضا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً)
الملة : قيل : هي الدين (٥).
وقيل : الملة : السنة ، [وكأن السنة](٦) أقرب ؛ لأن دين الأنبياء صلىاللهعليهوسلم كلهم واحد ، لا يختلف دين إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ودين غيره من الأنبياء ، عليهمالسلام.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) سقط من ب.
(٣) أخرجه البيهقي في الشعب (١ / ٦٩) عن عمر بن الخطاب ، مرفوعا ، بلفظ : «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم» ، وابن عدي في الكامل (٤ / ١٥١٨) عن ابن عمر ، مرفوعا ، بلفظ : «لو وضع إيمان أبي بكر على إيمان هذه الأمة لرجح بها» ، وفي سنده عيسى بن عبد الله ؛ ضعيف ، وذكره العجلوني في كشف الخفا (٢ / ٢٣٤) وعزاه لإسحاق بن راهويه والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن عمر ، ولابن عدى والديلمي : عن ابن عمر.
(٤) ذكره بمعناه البغوي في تفسيره (١ / ٤٨٤) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ٣٧).
(٥) ذكره بمعناه البغوي في تفسيره (١ / ٤٨٤) وابن عادل في اللباب (٧ / ٣٧).
(٦) في أ : وهو.