وَلا نَصِيراً) ، وذلك وصف الكافر ألا يكون له ولى يتولى حفظه ، ولا نصير ينصره ؛ ألا ترى أنه قال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) ؛ ذكر الذين يعملون الصالحات ـ وهم مؤمنون ـ أن يدخلوا الجنة ؛ فهذا ـ أيضا ـ يدل أن قوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) أراد به الشرك.
وقال آخرون : قوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) ، أي : كل سوء يدخل فيه المسلم والكافر ؛ ألا ترى أنه روي عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ لما نزلت هذه الآية ، قال : يا رسول الله ، كيف الفلاح بعد هذا وكل شيء عملناه جزينا به؟! قال : «غفر الله لك يا أبا بكر! ألست تحزن؟ ألست تنصب؟ ألست تمرض؟ ألست يصيبك الأذى؟ فهذا ما تجزون به ، يجزى به المؤمن في الدّنيا ، والكافر فى الآخرة» (١) ، فإن كان التأويل هذا ؛ فقوله : (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) : هو في الكافر ؛ أي : لا يجد له وليّا ولا نصيرا إذا لم يرجع عن كفره ومات عليه ، وأما إذا رجع عن ذلك ، وتاب ، ومات على الإيمان ؛ فإنه يجد له وليا ونصيرا : ينصره الله ـ تعالى ـ وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ)
في الآية دليل أن الأعمال الصالحات غير الإيمان ؛ لأنه قال ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ ... وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، ولو كان إيمانا ؛ فيصير كأنه قال : ومن يعمل الإيمان وهو مؤمن ؛ فدل ـ بما ذكرنا ـ أنها غير الإيمان ، وفيه دلالة ـ أيضا ـ أن الأعمال الصالحة إنما تنفع إذا كان ثمة (٢) إيمان ؛ لأنه شرط فيه الإيمان بقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ؛ دل أن الأعمال الصالحة لا تنفع إذا لم يكن ثمة (٣) إيمان ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً)
قد ذكرناه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ...) الآية.
يحتمل وجهين :
__________________
(١) أخرجه أحمد في مسنده (١ / ١١) ، والبيهقي في الكبرى (٣ / ٣٧٣) في كتاب الجنائز : باب ما ينبغي لكل مسلم أن يستشعره من الصبر على جميع ما يصيبه من الأمراض ، الحاكم في المستدرك (٣ / ٧٤) وصححه وأقره الذهبي ، وابن جرير (٩ / ٢٤٠ ـ ٢٤٣) (١٠٥٢١ ـ ١٠٥٢٩) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤٠٠) وزاد نسبته لعبد بن حميد ، وهناد بن السري ، والحكيم الترمذي ، وأبي يعلى ، وابن المنذر ، وابن حبان ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، والضياء في المختارة.
(٢) في ب : ثم.
(٣) في ب : ثم.