دلت هذه الأحاديث التي ذكرنا على أن الرجل إذا كان له نسوة أن يسوي بينهن ، فيقيم عند كل واحدة يوما ، إلا أن يصطلحا على غير ذلك ، والصلح خير ، كما قال الله ، عزوجل.
وبين قوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ ...) الآية.
أن على الرجل ـ وإن عدل بين نسائه في قسمة الأيام ـ ألا يخلي إحداهن من الوطء ، والله أعلم. ولا يكون وطؤه كله لغيرها ، وتكون الأخرى كالمعلقة التي ليست بأيم ولا ذات زوج ، لكنها إذا رضيت بإبطال حقها أو بدون حقها فإنه لا حرج على الزوج في ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً)
يحتمل : أن يكون رفع الحرج عن الزوج خاصة ، وإن كان الفعل مضافا إليهما ؛ إذ ليس للمرأة في ترك حقها حرج ، وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة : ٢٢٩] ليس على المرأة جناح في الافتداء ؛ لأنها تفتدى بمالها ، ولها أن تملّك على مالها من شاءت ؛ فكأنه قال ـ عزوجل ـ : فلا جناح عليه في أخذ ما افتدت ، أو في إبطال حقها إذا رضيت.
ويحتمل : أن يكون على ما ذكر ، وهو أن لا حرج على المرأة المقام معه وإن استثقل الزوج ذلك ويكره صحبتها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ).
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : شحت المرأة بنصيبها من زوجها أن تدعه للأخرى ، وشح الرجل بنصيبه من الأخرى (١).
وقيل : الشح : الحرص (٢) ، وهو أن يحرص كل على حقه. وكأن الشح والحرص واحد ، وإن كان أحدهما في المنع ، والآخر في الطلب ؛ لأن البخل يحمله على الحرص ، والحرص يحمله على المنع ، وكل واحد منهما يكون سببا للآخر (٣) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا)
في أن تعطوهن أكثر من حقهن ، وتتقوا في ألا تبخسوا من حقهن شيئا.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٩ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠) (١٠٦٠٩) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤١٢) وزاد نسبته لابن المنذر.
(٢) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٩ / ٢٨٢) ، والبغوي في تفسيره (٤٨٧) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ٥٤).
(٣) في ب : سبب الآخر.