وأصل ذلك : أن في كل ما كان المرء مدفوعا مضطرّا ـ فإنه غير مكلف في ذلك ، وفي كل ما كان باختيار منه وإيثار غير عليه ـ فإنه مكلف في ذلك ، والحب مما يدفع المرء فيه ويضطر ، ولا صنع له فيه ، لم يكلف التسوية فيما يكون مدفوعا فيه مضطرّا ؛ لأنه لا يملك التسوية ، وعلى هذا يخرج قولنا : إن الكافر مكلف بالإيمان في حال الكفر ؛ لشغله به ، واختياره فعل الكفر ، ليس كالمضطر ، وقد ذكرنا ـ فيما تقدم ـ : أن الاستطاعة تكون على ضربين : استطاعة أحوال وأسباب ، واستطاعة أفعال ، والاستطاعة التي هي استطاعة الأحوال والأسباب من نحو الصحة والسلامة وغيرهما يجوز قبل ومع وبعد ، وأما استطاعة الأفعال فإنها لا تكون إلا مع الفعل ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) : في النفقة والقسمة ، معناه : لا يحملنكم شدة الحب والميل بالقلب أن تتركوا الإنفاق عليها وإيفاء (١) الحق ، أعني : حق القسم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ)
ليست بأيم ولا ذات بعل ، ليست هي بأيم تتكلف هي مئونتها كما تتكلف الأيم ، ولا ذات بعل يتحمل البعل مئونتها.
وفي حرف أبي بن كعب : «فتذروها كالمسجونة» ، وهو ما ذكرنا : لا ينفق هو عليها ، ولا يطلقها ؛ لتتزوج زوجا آخر ، فهي كالمحبوسة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا)
هو ما ذكرنا في قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)
هذا ينقض قول من يقول : إنه لم يكن رحيما ثم صار رحيما ؛ لأنه أخبر أنه كان رحيما ، وهو يقول : صار رحيما ، وبالله العصمة.
ثم المسألة : بأن المرأة إذا جعلت أيامها لضرتها ، كان لها أن ترجع وتفسخ ذلك ؛ لأنها جعلت لها ما لم يجب بعد ولم يلزم ؛ فكان كمن أبرأ آخر عن حق لم يجب بعد ، فإن إبراءه ـ باطل ، له أن يعود إليه ، فيأخذه به إذا وجب ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ)
__________________
ـ تَسْتَطِيعُوا ...) الآية ، والحاكم وصححه (٢ / ١٨٧) وقال : صحيح على شرح مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا.
(١) في ب : إبقاء.